هشاشة !
تتردد على ألسنتنا وبصورة مكرورة مفردة «الهشاشة»، ونقصد بها - غالبًا - ذاك المرض المتعلق بهشاشة العظام، حيث تنخفض فيه كثافة العظام مما يسبب ضعفها ووهنها، فيحدث الكسر فيها لأقل سقوط أو إجهاد أو حتى سعال.
أنا هنا، وفي هذا المقام لن أتحدث عن هذا الصنف من الهشاشة والتي تتعلق بالصحة والمرض الفسيولوجي، بل سأتحدث عن الهشاشة التي ترتبط بالعلاقات بين الناس وتحديدًا تلك العلاقات الإلكترونية التي منشؤها برامج التواصل الاجتماعي «السوشيل ميديا»، حيث تكون العلاقات في ظاهرها الخير والقوة والمتانة، ولكنها عند الحاجة وفي المواقف تظهر هشاشتها وضعفها وترهلها، بل وتقلصها حد الاندثار وكأنها غير موجودة وكأنها لم تكن.
العلاقات الإلكترونية التي تأخذ من وقتنا الكثير، وربما كل وقتنا، وتحرمنا حرمانًا يصل إلى درجة الكلية مع من هم أولى بأن نقوي علاقتنا بهم من الأقارب وبخاصة أقارب الدرجة الأولى، وكذلك من الأصدقاء الحقيقيين والجيران والزملاء ومع من نتعامل معهم بشكل يومي، حيث تكون هناك العلاقات البشرية الواقعية التفاعلية التي لا تُبنى على الوهم والضبابية وعدم الوضوح، وليس لها قواعد راسخة وأعمدة صلبة، وجدران تقيها وتحميها من رياح الهشاشة والوهن.
هذه العلاقات هي التي سنسأل عنها وسنحاسب عليها، وهي رصيد وفير لنا من الحسنات إن أحسنا وأدرنا دفتها، وهي التي كانت لها الأولوية بأن نستقطع جزءًا من وقتنا لإعطائها حقها من الكلمة الطيبة والتعامل الحسن وقضاء الحاجات وغير ذلك، أما تلك العلاقات النشاز المشوهة، فلا يضرنا لو تركناها ولم نقم لها وزنًا.
في العلاقات الإلكترونية نخسر الكثير من البر والإحسان والمواقف التي تجعلنا نتقرب ونرتبط أكثر بأرحامنا، في المقابل فإننا نترك المجال مفتوحًا للهشاشة؛ كي تنخر في هذه العلاقات حد التدمير والإلغاء.
المضحك والمبكي في الوقت نفسه أننا نعيش بأجسادنا مع أهلنا في بيوتنا، لكن عقولنا ووقتنا كله يكون موجهًا للعلاقات الإلكترونية، فلا أدري مَنْ يعيش مع مَنْ؟!
هذا السؤال - المغلف بعلامتي ترقيم يتضمن الاستفهام المؤلم وعلامة التأثر في المشاعر التي تطعن في القلب - يتطلب منا أن نميز قبل فوات الأوان بين طرفي نقيض أحدهما مفرداته التسلية والسطحية واللامسؤولية وإهمال الواجبات، والآخر يحمل الجد والعمق والمسؤولية وإدراك الواجبات.
آمل أن ندرك ونعي حجم المشكلة قبل أن ينثال علينا التراب، حينها سيكون الندم هو المتحكم فينا والمسيطر علينا وربما لعقود من الزمن.