رسالتي إلى عادي بن عادي
لقد أصبحت سيكولوجية الإستسهال ، وتسطيح الأمور ، واللامبالاة ، ثقافة سائدة مع الأسف الشديد في مجتمعنا اليوم ، دون أن يعي من يتعاطى هذه الثقافة ، ويعمل على ترويجها أثرها السلبي على المدى القريب ، قبل المدى البعيد .
كم من المآسي حدثت من وراء " ثقافة الإستسهال " ، وكم من الويلات والمصائب الفادحة قد جرتها ثقافة " عادي " على من يؤمنون بهذه المقولة التي باتت متلازمة لسلوك الصغار قبل الكبار . حتى كاد المرء أن يصاب بالغثيان من كثرة ترديدها على مسامعه من البعض من جميع الأعمار ، والمستويات ، وبكل أسف !!
يُقصِّر الطالب في دروسه ، ويُهمل في المراجعة والإستذكار ، فيبادر معلمه أو والده ، أو صديقه ، إلى تنبيهه من الرسوب ، ويحذره من ضياع سنة من عمره الدراسي ، وخسارته لمجهود عام كامل فإذا بهذا الطالب يرد بكل برود قائلاً : ( عادي ) .
ويجلس أحدهم شاباً أنيقاً يافعاً ، خلف مقود السيارة ، وينطلق بسرعة مجنونة ، وبرفقته أصحابه ، أو نفر من عائلته ، أو بمفرده ، فيشاهده من يخشى عليه من مكروه ، فيسارع إلى نصحه بعدم السرعة لأنها قاتلة ، ويجب عليه الشعور بالمسؤولية تجاه أرواح الآخرين ، إن لم يكن مكترثاً بروحه ، فإذا به يجيب بدون إكتراث لما يُقال له بقوله : ( عادي ، الحافظ الله ) !!
وتستمتع إحداهنَّ بحب وإخلاص زوجها لها ، وتقديره اللامحدود للعلاقة الزوجية التي تربطه بها ، كشريكة لحياته أولاً ، وكأم لعياله ثانياً ، وكصاحبة له ثالثاً ، فتُهمل في واجباتها الزوجية ، وتستمرئ الإهمال حتى في هندامها الذي إن حرصت عليه فهو إنما يُعدُّ إكراماً لذاتها ، وتستمر في السحب المتواصل من حساب البنك العاطفي لذلك الزوج الطيب الحنون ، وتواصل الهدر المتعمد لحقوق زوجها ، فيحاول لفت نظرها بطريقته المهذبة معها ، ولكنها تتمادى في إهمالها ، حتى يقع الفأس في الرأس ، نتيجة لتسطيح علاقتها بزوجها بسبق الإصرار والترصد ودون مبالاة لما سيؤول إليه الوضع الأسري ، والحال كهذا !!
وينعم الباري عز وجل على أحدهم بصديق مخلص وفي ، وكأنه هبة من السماء في أدبه وإخلاصه ، واستقامته ، ومحافظته على العشرة ، والتزامه بواجبات الصداقة ، فإذا بذلك الذي يحسده الآخرون على هذا الصديق الإستثنائي ، يفرِّط في المحافظة عليه ، ولا يمتن له ولو بجزء بسيط مما أسداه إليه طيلة السنوات الماضية ، تحت شعار " رفع الكلفة " فإذا بالبرود العاطفي يجتاح تلك العلاقة من كل جوانبها ، والسبب هو : استسهال ما لا يجب استسهاله !!
مشاهد كثيرة ومتعددة ، تعكس سيطرة " ثقافة الإستسهال " على سلوك معظم الناس ، سواء في المحيط الأسري ، أو الإجتماعي ، أو الوظيفي ، وتساهم في تآكل تلك العلاقات ، وإصابتها بالشيخوخة المبكرة ، وتفقدها كل مقومات الحيوية والإستمرار ، والمهم هنا هو : أن نعي جميعاً ما لهذه الثقافة التعيسة من عواقب وخيمة على إنسجامنا مع أنفسنا والآخرين من حولنا في جميع المحاضن الإجتماعية . أرجوكم أقضوا على " عادي بن عادي " في أنفسكم ، وأبنائكم ، وأصدقائكم ، فهو يحاول ان يفقدكم متعة الحياة ما استطاع لذلك سبيلا . تحياتي .