ما أسهل أن تكون قارئًا
ربما لا يوجد شيء أقل سعرًا من الكتب إذا ما قارنّاها بالفائدة المرجوة منها. فهناك من الكتب ما لا يزيد سعره على سعر ساندويش عادي، أو مشروب عصير متوسط الحجم، أو كوب قهوة من النوع الغربي. ويكمن سبب ابتعاد الناس عنها في أن فوائدها ليست سريعة الظهور، بل تظهر على المدى البعيد أو البعيد جدًّا، وربما لا تظهر أبدًا للبعض حتى يتصور أنها لم تؤثر به. هذا علاوة على نماذج النجاح المالي والحياتي الكثيرة في عالمنا العربي لأشخاص لم يقرؤوا في حياتهم كتابًا واحدًا بعد تخرجهم في أي مرحلة.
يقول الملياردير الشهير الذي تبلغ ثروته 70 مليار دولار «وارن بافت» إن أحد فصول كتاب المستثمر الذكي الذي قرأه عندما كان شابًّا هو ما ترك أثرًا في مسيرته المالية، ومن ثَمَّ تحوُّله إلى ما هو عليه اليوم.
ولا نتوقع هنا من كل من يقرأ هذا الفصل أن يصبح مثل بافت، لكن ذلك يعطي دلالة واضحة وجلية على أن هناك علاقة من نوع ما بين القراءة والثراء، أو القراءة وحصول تغير ما في حياة القارئ. وأن هذا الكتاب الذي قد لا يتجاوز سعره بضعة دولارات قاد بافت إلى عالم المليارات.
حتى البهجة والمتعة التي يبحث عنها الناس في الأمور المسلية كالأفلام والألعاب الإلكترونية أو في وسائل التواصل الاجتماعي تتوفر في القراءة غير المكلفة. أتذكر أنني في أيام المراهقة والشباب اشتريت سلسلة كتب مسلية كانت تحت عنوان «نوادر جحا»؛ كنت أتصفحها وأقرؤها حين يكون مزاجي متعكرًا.
لكن المشكلة في أغلب الكتب أن بهجتها ومتعتها تأتي مؤجلة، لكنها بالتأكيد تقود إلى تغيير نظرة القارئ إلى الحياة، وتكون عونًا له على ما يحيط به من أجواء سلبية، وربما قادته إلى النظر على نحو مختلف جدًّا إلى بعض الأمور، واستصغار بعض المواقف التي طالما عدَّها كبيرة.
ما أسهل أن تكون قارئًا في زمننا هذا! إذ تستطيع أن تقرأ كتابًا بنقرة زر أو بلمسة على شاشة دون أن تدفع هللة واحدة، في بعض المواقع الإلكترونية التي تتيح لك ذلك قانونيًّا. وحتى حينما يتعسر عليك الإمساك بكتاب بسبب انشغال يديك بعمل آخر فإن التقنية تسهل عليك ذلك بالاستماع إلى كتاب صوتي باستخدام أحد التطبيقات المجانية. وأكثر من ذلك حينما لا تجد الوقت الكافي للاستماع إلى كتاب كامل فهناك خيار الاستماع إلى موجز له، أو حتى عرض تصويري له. فالقارئ بحاجة فقط إلى اتخاذ قرار بالقراءة لتقوم التقنية الحديثة بتسهيل الأمر عليه.