الأسئلة الخمسة للكتابة
وحتى تتضح الصورة أكثر، حول قيمة وخطورة وتأثير الكتابة، واستكمالاً للمقال السابق الذي ذكرت فيه بشيء من التفصيل والإسهاب حول ”الكتابة التي مرّت بالكثير من الأدوار والوظائف خلال كل تلك القرون الطويلة التي استطاعت أن تكون فيها الكتابة لغة الحياة وعنوان التطور. نعم، قد يكون التعبير عن خوالج النفس وطموحات الروح ورغبات التغيير، هي الأهم والأعلى والأدهش في تحولات الكتابة، ولكنها أيضاً تمتلك الكثير من الأدوار والأساليب والأشكال الأخرى، لعل أهمها على الإطلاق هذه الوسيلة التقليدية التي استمرّت وما زالت وهي أن الكتابة وسيلة أثيرة لتواصل ولقاء وتفاعل المجتمعات والشعوب والأمم وطريقة أمينة لنقل الأفكار والعلوم والمعارف للثقافات والحضارات واللغات“.
والآن إلى الأسئلة الخمسة لجوهر الكتابة التي بدأت على جدران الكهوف لتصل الآن إلى الألواح الرقمية:
السؤال الأول: ”لماذا نكتب؟“ ولماذا نملك تلك الرغبة الملحّة للتعبير عن الأفكار والتبشير بالآراء؟ فالبعض يرى بأن الكتابة قدر، والبعض الآخر يعتبرها محاولة جادة للخلود لأنها ستكون حاضرة متى ما استدعاها الزمن.
السؤال الثاني: ”ماذا نكتب؟“، وهل نكتب ما نظن بأنه يُفيد وينفع البشر أم ما يُحرّض على تطورهم وازدهارهم؟ في عقل/ قلب كل كاتب مهما كان حجمه وتأثيره ثمة أفكار ومحتوى وموضوعات، يجدها تستحق الكتابة لأسباب مختلفة يؤمن بها، وقد لا تكون كذلك عند القراء، وهنا تنحى الكتابة إلى بعض الإثارة والصدام بين الكتاب والقراء.
السؤال الثالث: ”لمن نكتب؟“، وهل هناك نوعية/شريحة معينة نستهدفها من الكتابة أم هي كتابة مفتوحة على كل الاتجاهات والمستويات؟ بعض الكتاب، يعرف جيداً القارئ الذي يكتب له، لذا فهو يختار ما يناسبه من أفكار وآراء، وهذا لا يعني بالضرورة بأنه يتفق معه بمداءات ومآلات تلك الأفكار والآراء، بينما البعض الآخر من الكتاب لا يكتب لقارئ معين، بل هو يكتب ما يُريد أن يكتب دون ضغوطات أو تأثيرات من القرّاء أو النقّاد.
السؤال الرابع: ”كيف نكتب؟“، وما اللغة أو الأسلوب أو الخطاب الذي نظنه المناسب للمحتوى أو النص أو الفكرة التي نُريد كتابتها لتُحقق الأهداف والتوجيهات والتأثيرات. الكتابة صناعة تراكمية ومنصة تفاعلية، خاصة في مثل هذا العصر الذي تغيرت فيه قواعد وأشكال الكتابة. فطريقة الكتابة الآن، بل منذ عقود، أهم بكثير من الفكرة نفسها، لأن الأفكار متاحة ولكن عرضها هو جوهر الكتابة.
السؤال الخامس: ”متى نكتب؟“، وما الوقت المناسب لكتابة محتوى ما ليكون تأثيره بالشكل الذي نُريد؟ يُمثل الظرف الزماني، إضافة مهمة لأفكار وموضوعات الكتابة، ولكن الأمر يبدو أكثر تعقيداً حينما نحمله باتجاه آخر وهو الكتابة بعد أن نتسلح بالعلم والمعرفة والخبرة والتجربة، وأغلب ذلك يكون بالقراءة العميقة التي تُتيح لنا القدرة على الكتابة الجيدة.