خطاطون قطيفيون: يحيى عبد الله البشراوي ”القديح“

الخط العربي قديم وعريق جدا واستهوى كثير من محبي هذا الفن وبذلو فيه اعمارهم وهذبوه وحسنوه واضافوا إليه بحكم الممارسة والمتابعة فكل جيل كان يضيف لمسات حتى وصل لمراحل متطورة ومتقدمة بشكل كبير وملحوظ، وابناء المملكة عامة والقطيف خاصة ساهموا في تنمية الخط بشكل كبير جدا، لأنه كان احد مآثر واهتمام العلماء والشعراء بنسخ الكتب وتداولها معرفيا كانت هذه الطريقة من ابرز المخطوطات التي نشاهدها اليوم، بالإضافة لزخرفة وفن العمارة وحفر الحرف على الجص وغيره من الجماليات، فكان لهذا الفنان الخطاط حضوره ومكانته وعيشه الرغيد.

الخطاط المبدع يحيى بن عبد الله بن جواد البشراوي، والبشراوي من العشائر القديحية الأصل كانت تسكن حي البشري الواقع في الجهة الجنوبية من القديح واخذ هذا اللقب نسبة لساكنيه، ولد في القديح سنة 1386 هـ  ونشأ فيها بين ابوين كريمين، ذو خلق كبير مثقف واعي يعتبر من رواد فن الخط العربي بالقطيف المحروسة.

دخل المدرسة الابتدائية وانهى المرحلة المتوسطة ولم يمكل دراسته، انصرف إلى الوظيفة بمهنة ”خطاط“ في معهد الإدارة العامة بالدمام وعمله هناك كان خط شهادات الخريجين المتدربين، ثم انتقل إلى وظيفة أخرى في الهيئة الملكية للجبيل وينبع بمهنة ”فني طباعة“ والخط لا يبتعد عن نمط الطباعة فكانت الوظيفة تدعم وتعزز المهارة لديه بممارسة بعض الخطوط وخط شهادات وعناوين تابعة لمعارض التي تقيمها الهيئة، والخط عنده كان من ضمن الوظيفة التي يشغلها سواء في الدمام أو الجبيل.

منذ كان صغيرا وبالتحديد في المرحلة الابتدائية كانت تستهويه العناوين المكتوبة على الكتب وينظر بشغف لتلك اللافتات والاعلانات على المحلات التجارية، ومن جملتها التأمل والنظر الحادق لسيارة المشروبات الغازية القديمة التي كتب على خلفيتها بالحجم الكبير بخط الثلث ”كعكي كولا“، وكانت بالنسبة له مبهرة ومختلفة عما يراه ويشاهده في خط النسخ المتداول في الدراسة، وبالتالي كان رسم الحرف يثير انتباهه بشدة خاصة حرف العين يكون مفرغ بالوسط وله شكله المعروف بالخط.

تعلم هذا الفن بصفة ذاتية وجهد شخصي طوره بالتدريب والتمرين المستمر، وبحكم الفترة التي بدأ فيها ممارسة فن الخط عام 1400 هـ  تقريبا لم يكن هناك ما يربطه بالخطاطين لأنهم قلة وبمعنى آخر لم يكن يلمع أو يبرز اسماء إلا النادر امثال الخطاط عبد الله الغانم والخطاط مكي الناصر فاخذهما رمز في درب معين ليحقق امنياته، فاللامع الغانم اخذ بيده وقبلها تشجيعا فلا يزال هذا الموقف لا يفارق مخيلته حتى بعد هذه السنين الطويلة من عام 1412 هـ  إلى الآن يتذكره ويفخر به لكونه من جهابذة وكبار وعمالقة الخطاطين في الخط العربي، فقد كان هذا الفعل بالنسبة له مهول وفي غاية التشجيع، اما الناصر ذو القصبة الفخمة الذي كان يعمل خطاطا في مجلة القافلة التي تصدر من شركة ارامكو السعودية كان يخط العناوين وعمله الوظيفي في جامعة البترول تأثر به وراح يغوص في اعماق فنه.

اهتم بالخطوط على مختلف مشاربها الثلث والنسخ والديواني والفارسي والرقعة والاجازة والكوفي وغيرها فقد مارسها وسبر بالالمام بها وطوعها، بالإضافة أنه يملك جاذبية كبيرة جدا دائما يأكد على ان الخطوط تستهوي اغلب الجمهور سواء متعلمين او اميين، عرب او اجانب، فاللوحة تحاكي مختلف الثقافات لأن الواقف امامها تجذبه بجمالها الخلاب الآخاذ، وفي الوقت نفسه مقل جدا في مشاركاته فهذا الخطاط المميز شارك في ثلاث معارض فقط اثنين في القطيف والآخر في صالة الفنون بالدمام.

وهو في هذا المجال يرفض تواضعا قائلا: مستواي لا يرتقي للخوض مع اساتذة متمكنيين، بالإضافة لا يطمع في شهادة شكروثناء ولا تقدير مالي يكفيه تشجيع وتحفيز الأسرة، فالنشاط ورفع المعنويات يأتي من بيت العائلة هذا اولا ومن غيرهم يرى نفسه أقل القليل في هذا الفن كل ما يهمه التشجيع المعنوي والتعزيز النفسي اكثر من الدوافع المادية.

خطاطنا البشراوي قليل الانتاج الفني ليس هذا بالمعنى ان الفكرة معدومة أو صعبة لديه لا، أنه يراها سهلة بمجرد ان تمارس الخط بالتدريب اليومي وتحريك اليد والتمرين تنقدح بعض الافكار وتولد وتتكون بالتشذيب والتطوير والتحسين وحسب امكانية الخطاط نفسه لوقت وفترة معينة، وربما يهوى الانتاج إلا انه قليل جدا، وهنا سأذكر نتاج واحد من اعماله «كتابات تعبر عن الزوج والزوجة باسمائهما».

البشراوي من الخطاطين المتواضعين مازال يحسب نفسه هاوي ومحب لفن الخط العربي ويعلل ذلك بعدم ممارسته واشتراكاته في هذا العالم لعدم حضوره وبروزه وظهوره، وبكل حب واريحية يرى نفسه من المتذوقين المبتدئين وان اشاد البعض أنه ارتقى لشيء اكبر فأنه يحسبة تطور غير احتراف، إلا ان الخطاطين المميزين يذكرونه بأنه من رواد الفن في الخط العربي.