قناعاتنا .. إلى أين توصلنا ؟
كثير منا ينظر إلى قناعاته بأنها هي الصحيحة , ويعتقد في الوقت ذاته أن قناعات غيره خاطئة, وهذا أمر طبيعي , فكلنا لديه ما يسمى بخارطة العقل وهذه الخارطة تجعل الشخص ينظر إلى الاشياء بوجهة نظره هو, وتجعله يقيم الأشياء والمواقف على حسب هذه الخارطة.
فهي سبيل التفكير للانسان , ويتضح ذلك جليا عندما نرى شخصين على سبيل المثال يختلفان في وجهة نظر , وخصيصا عندما يكون هناك فارق في الجيل, ترى كل واحد يدافع عن وجهة نظره كأنها جزء من كيانه الداخلي, وهذا طبيعي أيضا لأن هذا بالضبط هو تفكيره وتقييمه لما يجري حوله من الاحداث واعتقاده أن طريقة تفكير غيره هي طريقة خاطئة ولا تمت للحقيقة - التي يراها هو- بصلة على الرغم من كون بعض الأحداث التي نعتقد أنها مستحيلة هي شيء من محض الحقيقة والتي يمكن حدوثها، فقناعاتنا تقول شيء والحقيقة تثبت شيء آخر في كثير من الأحيان .
وهنا أنقل هذه الحادثة التي مر على حدوثها قرابة الخمسين سنة حيث كان اعتقاد سائد أن الإنسان لا يستطيع أن يقطع ميل في أقل من أربع دقائق .. وان أي شخص يحاول كسر هذا الرقم سوف ينفجر قلبه ! ولكن أحد الرياضيين سأل: هل هناك شخص حاول وانفجر قلبه؟ فجاءته الإجابة بالنفي!
فبدأ بالتمرن حتى استطاع أن يكسر الرقم ويقطع مسافة ميل في اقل من أربع دقائق، في البداية ظن العالم انه مجنون أو أن ساعته غير صحيحة، ولكن بعد أن رأوه صدقوا الأمر واستطاع في نفس العام أكثر من 100 رياضي أن يكسر ذلك الرقم .
بالطبع القناعة السلبية هي التي منعتهم أن يحاولوا من قبل، فلما زالت القناعة استطاعوا أن يبدعوا .
لعلي أتفق معك - أيها القارئ الكريم- على ان كثيرمن القناعات الموجودة في المجتمع والتي تحولت للأسف إلى عادات من الصعب تغييرها (لأنها قناعة ) لكن لا بد لنا من التفكير مع أنفسنا قليلا ونقد ما نفكر فيه بشكل عادل وفكر يخلو من التعصب لما تعاهدنا عليه من الماضي حتى الآن، حتى لا نكون كدأب القوم الذين دعاهم الرسول إلى دين الحق فرفضوا اعتمادا على قناعاتهم. فلما طالبهم بالتدبر والرجوع إلى العقل منعتهم قناعاتهم التي كانوا يؤمنون بأنها هي الصحيحة وغيرها خاطئ (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ). سورة المائدة الآية 104
فهم ورثوا هذه القناعة من آبائهم الذين لا يعلمون شيئا ولا يهتدون كما وصفهم الله تعالى لأن هذه القناعة لم تكن على أساس صحيح لكنها في النهاية قناعة.
وللأسف هناك كثير من القناعات والحقائق الإيجابية جدا ولكن ما يسمى العرف الاجتماعي حكم عليها بالتضييع خلال مراحل الزمن , والعكس هو ما يحدث تماما حيث أن كثير من السلوكيات الخاطئة التي تحولت إلى عادات ثم إلى عرف اجتماعي هي السائدة هذه الأيام.
بالطبع هذه دعوة للتدبر في قناعاتنا الدنيوية وليست الأخروية، فالتشريعات السماوية لا تقاس بالعقل بل هي أسمى وأعلى من أن توضع على ميزان العقل البشري.وطبعا لا يفهم من هذا الكلام أننا لا نعمل عقولنا فالقرآن حثنا كثير على التدبر والتفكر وأدان تقليد الآباء والأجداد بدون تحقيق ودليل .
في حياتنا توجد كثير من القناعات السلبية التي نجلعها شماعة للفشل وكثيرا ما نتكئ على هذه الشماعة اللتي انقضّ ظهرها من كثرة أعذارنا الخالية من معنى الإقدام، فكثيراً ما نسمع كلمة مستحيل و غير ممكن وصعب، وهذه ليست إلا قناعات سالبة ليس لها من الحقيقة مكان.
حيث أن الكهرباء كانت للناس عام 100هـ شيئا خياليا لكننا نتمتع بها الآن في عصرنا الحاضر ويستذكرني قول الامام علي عندما كان جالسا عند نهر الفرات ويخاطب احد الجالسين بقوله: انه لوشاء لاتخذ من ذلك الماء ضوءا، أي ما نسميه في هذه الأيام أنه يحول الطاقة الحركية في الماء إلى طاقة كهربائية .
وختاما أقول: أن هذه القناعات السالبة نستطيع أن نتخلص منها بسهولة مع وجود إرادة من حديد تكسر هذه القناعات وتشعل لنا شمعة قناعات أخرى تستند إلى الدليل والبرهان بها سبيل التقدم في هذه الحياة ,بدلا من تلك القناعات السالبة التي لا تفيدنا .
فهل أنت مستعد لأن تكون ممن يتدبر فيتغير ؟