الشيعة في العالم
تختلف التقديرات قلة وكثرة، فالشيعة يكثرون من عددهم فيقولون هم نصف المسلمين! وغيرهم يقللون العدد إلى حد أنه قد قيل إن عددهم هو 70 مليون !وبين هذا وذاك قدرهم فرانسوا تويال في كتابه (الشيعة في العالم ) بمائتي مليون نسمة أي 10- 12% من المسلمين . أما المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي في دائرة المعارف الحسينية فقد رأى أن عددهم يصل إلى 394 مليون مسلم، وبالتالي فهم يشكلون نسبة 25% من عموم المسلمين.. لكنهم بالقياس إلى كل فرقة من فرق المسلمين يعتبرون أكثرية.
ـ ما هو سبب التقليل والتكثير في التقديرات؟
من أسباب التفاوت الكبير في التقديرات، عدم وجود إحصاءات في بلادنا المسلمة، أو إخفاء بعضها إذا كانت تخالف التوجهات السياسية لأنظمة الحكم.. وأقل منها تلك لإحصاءات التي تعتمد على التحديد المذهبي فليس معقولا أن النظام الذي ينكر وجود مواطنين من مذاهب غير مذهب الحاكم ، أن يقوم بإحصاء دقيق لهم، لأن ذلك يترتب عليه متواليات سياسية لا يريد أن يتورط فيها!!.
غير أن هناك أسبابا أخر تجعل من التقديرات متفاوتة ومختلفة.. ومنها:
1- تصور البعض أن الكثرة تتناسب مع الحق والمشروعية.. فالفئة الأكثر هي على الحق والقلة على الباطل ولا يعقل أن يكون الأكثر على الباطل ! والفكرة خاطئة قرآنيا حيث ذم الكثرة ، ومدح القلة الملتزمة بالحق .. لكي يبين أن الكثرة ليست مقياسا للحق. وخاطئة خارجيا فلو التزم بها لكان المسيحيون وهم أكثر من المسلمين أو البوذيون ، أصحاب الحق !
2- ربط الحقوق الأساسية بالانتماء إلى الكثرة أو الأكثرية، فلو فرضنا أكثرية في بلد في مقابل أقلية، فإن بعض الناس يتصورون أن من ينتمي للأكثرية لا بد أن يحصل على الحقوق الأساسية تامة، بخلاف من ينتمي إلى القلة أو الأقلية، فيمكن انتقاص حقه!
3- الاعتقاد بأن ظهرالقلة ضعيف فيمكن تصفيتهم أو سلبهم أو التعدي عليهم، وهذا هو (منطق العصابات المتحاربة) وليس منطق العالم المتحضر والدول القائمة.
لم يحصل على مستوى العالم الإسلامي إحصاء على اساس مذهبي.. لكن يمكن القول أن الشيعة يصلون إلى 25% من عدد المسلمين.. وهذا إنما يشكل حجم الوجودات الأصلية للتشيع.. ولا يشمل تقدير الأعداد الحادثة التي تشيعت وتحولت، وهي وإن لم تكن ذات قيمة عددية بحيث تؤثر في النسبة المذكورة تأثيرا واضحا إلا أنها ذات دلالة تعبيرية تشير إلى نشاط وحيوية هذا المذهب وقدرته على الانتشار والاستقطاب..
كما أن العدد سواء كان بنحو ما يفضله الشيعة من التكثير أو بنحو ما يفضله غيرهم، ليس مهما بمقدار ما تكون دلالاته والرسائل التي يعطيها مهمة..
ومن هذه الدلالات:
أ- التنوع البشري والعرقي: ففي الشيعة عرب، وأكراد، وأفارقة، وهنود وباكستانيون، وفرس، وأتراك، وأفغان، وأوربيون..
ما الذي يعينه هذا؟
إن هذا بذاته ينفي مقولة طبل لها مخالفو المذهب، قديما وحديثا وهي أن التشيع كان ناشئا عن حالة قومية معينة (الفارسية)، فإنه لما تصاهر الحسين مع بنت ملكهم يزدجرد مال الفرس إلى التشيع أو أن التشيع دخلته الأفكار الفارسية من خلال ذلك، هذه الفكرة بالإضافة إلى تهافتها في ذاتها، فقد تزوج عبد الله بن عمر الأخت الأخرى، وابن أبي بكر الثالثة وأولداها فلماذا تأثر هؤلاء ولم يتأثر أولئك ؟.
وكذلك إذا كانت المصاهرة بين الفرس وبين الحسين سببت لهم التشيع.. فما الذي يربط الأفارقة بهذه المصاهرة؟ والترك والهنود والعرب؟.هذا مع العلم أن الفرس لا يشكلون في بعض التقديرات أكثر من 20% من عموم الشيعة.
ب- الانتشار الجغرافي: يسكن شيعة أهل البيت مناطق كثيرة في العالم كمواطنين أصليين مر على وجودهم في تلك المناطق قرون.. وتتمدد هذه المناطق في كل القارات القديمة (آسيا وأفريقيا). الهند ، الباكستان ، ايران،أفغانستان ، آذربايجان ، تركيا ، نيجيريا ، العراق ، لبنان ، والجزيرة العربية .
بل يمكن القول إنه قل أن يوجد بلد فيه مسلمون في العالم، ولا يوجد فيه شيعة أهل البيت، حتى أن فرانسوا تويال يتحدث عن أقلية شيعية في آسيا الوسطى، قائلا: إنها عرفت مصيرا أكثر تعقيدا ومأسوية وهم: المسقط (هكذا في الترجمة العربية) وهم جورجيون أسلموا في القرن الثامن عشر، ومع أن جذورهم جورجية فقد تتركوا لغة مع انتمائهم إلى المذهب الشيعي، ولأن موقعهم على حدود امبراطوريات ثلاث: الفارسية والروسية التي ضمت جورجيا إليها في القرن التاسع عشر والسلطنة العثمانية.. وأنهم نفاهم ستالين في العام 1944م إلى أوزبكستان خوفا من أن يشكلوا (طابورا خامسا) لتركيا..
يشكل الشيعة 70% من سكان أهم منطقة في العالم من الناحية الجيوسياسية حيث يقطنون على ضفتي الخليج التي تحتوي على ثلاثة أرباع المخزون العالمي من احتياطي النفط،والمنطقة التي انتقل إليها مركز الثقل في العالم العربي بعد أن كان في محيط البحر الأبيض المتوسط، كما أنهم في قلب العديد من الصراعات ذات الطابع الاقليمي أو الدولي.
هذا يعني أن من يفكر في محاصرة الشيعة أو التشيع فضلا عن القضاء عليهم، هو واهم جدا، فإن هذه الامتدادات هي أشبه بالمحيط، الذي كلما حوصر من جانب توسع من آخر.
وليس الكلام هنا عن الاستقواء واستعداء الآخرين، وإنما الكلام هو في أن يقلع من يفكر بهذا النحو عن التمادي فيه، فإنه أشبه بمقارعة الهواء ومصارعة الضياء!
ج- حكم الشيعة لبلاد المسلمين:
شهدت مناطق كثيرة من بلاد المسلمين في فترة (أو أكثر) من الفترات حكما متأثرا بالحالة الشيعية ففي بلاد المغرب الأقصى تأسست دولة الأدارسة وبقيت قرنين من الزمان وفي مصر كان الفاطميون الذين استمر حكمهم قريبا من ثلاثة قرون ، وفي العراق جاء البويهيون وبقوا فيها حاكمين قرابة قرن ونصف وفي حلب والموصل كان الحمدانيون حاكمين قرابة قرن من الزمان وفي لبنان الشمالي كان آل حرفوش قد حكموا بعلبك مدة ثلاثة قرون ونصف وشملت امارتهم حمص وتدمر ووصلت إلى حدود القدس.
الجزيرة العربية: حكم الشيعة العيونيون الأحساء والقطيف والبحرين لمدة أكثر من قرن ونصف . ثم حكم الشيعة الأخيضريون اليمامة شرق نجد، مدة تصل إلى قرنين من الزمان بدءا من عام 252 هـ، على يد محمد بن يوسف الأخيضر.
هذا في المنطقة العربية، وأما في خارج المنطقة العربية، ففي:
الهند: قامت عدة دول شيعية في فترات متعددة، ومناطق مختلفة منها: المملكة القطب شاهية في شمال الهند وأما جنوب الهند، فقد قامت مملكة دهماني الشيعية واستمرت قرنين من الزمان.
إيران: فبالإضافة إلى تشيع السلطان خدابنده ومن بعده أمراء المغول، فإن الصفويين الذين جاؤوا فيما بعد أعلنوا الدولة شيعية إلى يومنا هذا.
اندونيسيا: يرى بعض الكتاب بأن الإسلام دخل اندونيسيا عن طريق العلويين ومنهم أحد أحفاد الإمام الصادق وهو أحمد بن عيسى بن محمد بن علي بن الصادق بالمهاجر وصلها سنة 318 هـ. وأسسوا دولة استمرت ثلاثة قرون.