الكاتب والقارئ.. متلازمة جدلية
لا تزال العلاقة بين الكاتب والقارئ معقدة وشائكة، وتحتاج للكثير من الدراسات والمقاربات، وذلك من أجل معرفة مكامنها ومخزوناتها الدلالية والبنيوية التي تشكلت وتمظهرت خلال كل تلك القرون الطويلة من مسيرة الكتابة الإبداعية، العلاقة الجدلية والمدهشة بين الكاتب والقارئ، بعد التخلّص طبعاً من مخاتلات وتأثيرات النص، مسألة قديمة - حديثة وقضية عميقة متجددة.
الكتابة والقراءة، علاقة ثنائية تلازمية، تتشكّل وتتكوّن من عدة ألوان ومستويات وتمر بمراحل مختلفة ومتعددة، الكاتب هو من ينسج النص ويُدحرجه لعقل القارئ، لتبدأ تلك العلاقة التشاركية التكاملية بين طرفين لا يمكن التنبؤ بشكل ومستوى التواصل المعرفي والكيميائي بينهما.
وكما هو معروف فإن لكل كاتب قارئه المتخيل، تماماً كما لكل قارئ كاتبه المتمثل، وبعيداً عن النص والحالة، والزمان والمكان، والرقيب والظرف، وكل أدوات ومعدات الفعل الكتابي التي تؤثر كثيراً على قواعد ”اللعبة الكتابية“، يستمر التنافس على أشده بين الطرفين الشريكين: الكاتب والقارئ.
هذه عدة أسئلة، لا تبحث عن إجابات جاهزة، بقدر ما تُحرّض على فهم العلاقة الإشكالية والمثيرة بين الكاتب والقارئ: مَن القارئ الذي يتخيله الكاتب، ومَن الكاتب الذي يبحث عنه القارئ؟، وهل يستحضر الكاتب قارئه أثناء الكتابة أم أنه يكتب نصاً باتجاه واحد؟، وهل يبحث القارئ عن كاتب يُجيب عن أسئلته أم عن كاتب يولّد الأسئلة ليُجيب عنها هو؟، وهل يخاف الكاتب من قارئه الشبح أم يعتبره الشريك المعين الذي يحمل معه طموحاته ومعاناته؟، وهل يُمارس الكاتب حرفته بحثاً عن كسب إعجاب واستحسان القارئ أم يكتب من أجل إرضاء غروره ونرجسيته؟، وهل علاقة الكاتب بالقارئ ممتدة ومتصلة، أم هي مرتبطة ومعلّقة باكتمال النص؟.
وهناك من يرى أن الكاتب الحديث هو من يؤمن بأن القراءة عملية متجددة ولحظية، بل ومتطورة وحربائية، وهي عملية دراماتيكية ومتطورة لا تتوقف ولا تستقر، وهي امتداد واختراق لحدود الزمان والمكان، وفي المقابل فإن القارئ الحديث هو من يؤمن بأن الكتابة عملية تشاركية وتكاملية هو أحد أضلاعها الرئيسية والمهمة، وأن يكون كما وصفه الكاتب والأديب المصري الشهير توفيق الحكيم ”1898 - 1987“: ”أريد من قارئي أن يكون مكملاً لي، لا مؤمناً بي..“.
لقد مرت العلاقة بين الكاتب والقارئ بمراحل وتطورات كثيرة وكبيرة، ولكنها لم تفقد رغبتها الملحة بالشراكة والتكامل. نعم، هي تتعرض الآن لتحولات وتحديات ”تسونامية“ ومثيرة بسبب سيطرة وهيمنة وسائل الإعلام الجديد ومواقع التواصل الاجتماعي، ولكنها رغم كل ذلك أثبتت دائماً أنها علاقة وطيدة وعضوية، وقادرة على التشكّل والتلوّن، لأنها علاقة أزلية وحتمية.