أحذروا هذه الشركة ! فإنها تنظف الأموال !
كان يا ما كان في سالف العصر والزمان ، وقبل أربعة ألاف سنة من عمر الإنسان، وفي دولة إرم ذات العماد والأركان ( دولة أبن معوض ) ، والمنطقة كانت ملخان ( الإحساء )،كانت في أيامهم شركة تسمى( شركة ملخان لتنظيف الأموال )، وكان المقر الرئيس في مدينة الجرعاء وتقع بين الهفوف والبطالية، وكانت الجرعاء حاضرة منطقة ملخان، وسكانها خليط من عروق ( الساميون والفينيقيون والكنعانيون ) ، وكانوا يعملون بالزراعة وصيد السمك وتصديره عبر ميناء الجرهاء ( العقير ) ، وكان للشركة فروع في مدينة كيتوس ( القطيف ) وتايلوس ( البحرين ).
كانت الشركة تجمع الأموال المعدنية ( البرونزية )كونهم في العصر البرونزي من الناس وترسلها إلي المقر الرئيس في الجرعاء لغسلها وتنظيفها من الشوائب والأوساخ، ومن ثم تعيدها إلي أصحابها بعد استقطاع مبلغ بسيط مقابل التنظيف.
كانت العملة في زمانهم تسمى بواحد برونزي وأثنين وهكذا، وكانت الثقة أهم بند في زمانهم لإتمام هذه التجارة وإيصال الأموال إلي أهلها، ولكن في أحدى السنوات العجاف حدثت مصيبة وتاهت واحدة من الإبل المحملة بالأموال في الصحراء ، فأقترح مستشار الشركة ( جرموق ) على رئيس الشركة ( دانوق )، أن لاخوف من ضياع الإبل، لأن الناس لن تفطن لهذا، وكل عميل سيستلم مبلغه كاملاً (وكأن إبلاً لم تتيه)،
ومبلغ كل عميل لاشئ مقارنة بالخزانة، أي حتى لو أخذنا نصف موجود الخزانة لن يعلم أحد بذلك (جرموق يخاطب دانوق)، ويمكننا أن نعمل بالقانون المشهور( الطاقية )، فأنشرح قلب الرئيس وأخذ نصف المبلغ وأعطى جزء منه لمستشاره.
الناس لاتعلم ماذا يجري داخل الشركة، والأهم أن كل عميل يسترجع نقوده آخر الشهر بدون نقصان.
ذاع صيت الشركة وزادت فروعها في البلدان حتى بلغت بابل ( بغداد ) و مجان ( عمان )، فقدر الله أن توفي الرئيس دانوق فخلفه المستشار جرموق، فغير أسم الشركة إلي ( شركة جرموق لتوظيف الأموال ) فطوّر أعمالها ووضع كل أموالها في استيراد الملح من تايلوس وكيتوس ومجان وصدره في أخياش إلي إرم وجرجان ( إيران ) ، فزادت ثقة الناس بالشركة وتضاعفت أعداد المستثمرين وتضاعفت موجودات الخزينة، وأصبحت تعطي أرباحاً خيالية آخر الشهر وصلت إلي عشرين بالمائة !
أستمر الحال على ماهو عليه لعدة سنوات، حتى سقط المطر يوماً بغزارة ! فتعثرت معظم قوافل المنطقة، ومنها قافلة شركة جرموق إذ ذاب الملح في الصحراء، وأعلنت الشركة إفلاسها ! فهرب رئيسها جرموق وأختبئ في قرية السنديان ( بالشام ) ، ومرت الأيام تلو الأيام ، حتى نسى وتناسى الناس شركة جرموق لتوظيف الأموال، بعدها مات جرموق فوجدوا في مذكراته :
في زماننا أعداد الناس كالنشارة، لكن ما أغباهم في التجارة، فهم سذج وعقولهم خـدّج ، حتى لو ناظرتهم ذهباً ستبيعهم بعاره، أو أركبتهم فرساً ستبيعهم حمارة ! فإنهم لا يعتبرون وخلف المعية يصطفون !
ألـم تعلموا إن الدواب تتعض من أخطاءها ، وهكذا يفعل الحمار عندما يهوى في مشيه ، فلا يقع فيها مرة أخرى، لكن من حولي كانوا لا يفقهون إن في توظيف الأموال شطارة، حيث أفرغنا جيوبهم من البرونز واستبدلناه بالحجارة، ووزعناها كطاقية دانوق رئيس الإدارة، وأصبحت بأيديهم مجرد إعارة ! فأنصح من سيأتي بعدي ويخطوا خطاي، أن يستبدل فقط الأسم وأن (تصبح التنظيف توظيف) فهذه هي الإشارة، وأضمن له جيلاً بعد جيل لا يفقه التمر من الجمر ولا الحجارة من الحمارة ، ولو طوروا الأرقام ووصلوا القمر وصعدوا البنيان حجارة فوق الحجارة، فلن يفقهوا تلك العبارة .... فرن جوالي عند صلاة الفجر ، فاكتشفت أن كل ماصار أيام جرموق ودانوق مجرد أضغاث أحلام، فرميت بقلمي خلف الستارة ....