العلاقات الإنسانية وأثرها على المجتمع المعاصر
أن التعامل الإيجابي للناس مع بعضها البعض وفهمهم للأخر من العوامل الناجحة في العلاقات الإنسانية، فلا يمكن لأي شخص في أي مجتمع كبر أم صغر، أن يعرف طباع أخيه الأنسان وأخلاقه ونواياه الحسنة أو السيئة وصدق مشاعره أو زيفها إلا بعد التعرف عليه والعشرة القريبة بحدود وقتها ومنهجها المتعارف عليه.
فالعلاقات الإنسانية تكون جميلة وطيبة، عندما يدرك الإنسان الطريق والأسلوب الناجح لكسب قلوب الأخرين وثقتهم، وهي الكنز الذي لا يستغنى عنه لمن لديه القدرة على أن تكون علاقته الإنسانية مع الناس، علاقة متينة ويتمتع بروح عالية في التعامل لتوطيد العلاقة وحسن المعاشرة والتي من أهم بنوذها المحببة، هي مراعاة الظروف الخاصة لكل أنسان وخصوصياته، أو لأي مجتمع نتعامل معه بتعدد ثقافته ومكوناته، وتقبلنا النقد والمصارحة والتعامل السليم المتبادل والدائم.
فالعلاقات الإنسانية ليست مجرد كلمات رنانة من هنا وهناك، ولا مجرد حزمة مجاملات تقال للأخرين، ولا هي مما تسمى بالأبر المسكنة، وإنما العلاقات الإنسانية علاقة وطيدة، يجب أن يسودها الصدق والصراحة، وعلاقة متبادلة بين الأطراف قائمة على الآخد والعطاء والجد والإحترام، وفيها أرقى التفاهم والصفاء، وكلما زاد الأهتمام بتلك العلاقة زاد معها الحب والعطف والود والحنان كما الوفاء، وكذا التحمل والصبر وبذات القدرة والمكانة من الطرف الآخر للأخر.
فمتى وعى وأدرك الناس في شتى المجتمعات الإنسانية أن من يعيشون معهم هم أرواح وأنفس وعقول متنوعة، لهم أفكارهم وقيمهم ومشاعرهم الثابتة التي لا يمكن السماح المساس أو العبث بها لحرمتها شرعاً وقانوناً، ومتى وجد الإنسان أينما كان، وملك الأنفتاح الراسخ وقبول التعددية في المعتقدات والتقاليد والعادات، ومرونة التعامل والإيمان المطلق بين الأطراف، والتصديق الروحي والوجداني، في صعوبة تغيير ما هو ثابت وراسخ عند الآخر من معتقد أو عادة، عندها يوجد الإقتناع، وأن لا يكون العطاء بدافع المصلحة الذاتية المادية منها أو المعنوية، أو من أجل اكتساب السمعة والشهرة، وحتى لا يكون سلبياً ومنبوذاً، حيث أنه قد يمكن أن يحدث الأستغناء عن ذلك الصنف من العلاقات في أي وقت وتحت أي ظرف.
لا يمكن أن نستسلم لليأس، فأي علاقة حتى وإن كانت جميلة وأختفت من حياتنا، لتكون لنا أكثر قوة وأكثر عمقاً وأصراراُ بالأرتباط بعلاقات جديدة مع الآخرين، فيها تطلعات كبيرة من الأمل والرجاء مع الحيطة في التعامل بمسافة القبول المناسب، وعدم تكرار الأخطاء السابقة.
فالعلاقات الأنسانية في مجملها الوصفي والتكويني، يأتي منها الحميد والحسن كما يأتي منها السيء والجائر فمن الكوارث أن يلجأ البعض من داخل المجتمع الواحد، بإن يتعمد أن يصيب عنوة، فئة أو مجموعة من مجتمعه ببعض المحن والجور والعقد الحياتية، وبصنع صورة معاكسة تماماً للفطرة الإنسانية والحياة البشرية السوية التي فطر الله سبحانه عليها الخلق، وذلك من خلال زاوية الأقصاء والسيطرة على تفكير الأخرين، لكي تُكرس العديد من السلبيات في حياتهم العامة والخاصة مثل القلق والغضب والغيرة والإنتقام وشتى الأعراض النفسية البغيضة، والمعوقات المهنية والمعيشية فعنئذ تعود تلك الفئة المستهدفة من المجتمع الى من حولها بردة فعل غاضبة، تكون النتيجة سلبية للغاية نظراً لما تعرضت له من ويلات وأضراراً، مما يجعل تصرفاتها مشابهة أو أكثر لذلك السؤ أو العدوان الذي لحق بها والعياذ بالله.
قد تستمر العلاقات الجائرة من أي فئة كانت ضد أخرى وقتاً من الزمن، وهذا ما أثبتته الأدلة والبراهين ولفترات تطول أوتقصر لسبب أو بأخر في أي مجتمع، وقد تكون قائمة على الظلم وعدم المساواة في الحقوق والواجبات، فهي بذاتها تصنف بأنها علاقة مستوردة تسودها العلاقات المشبوهة ذات الطابع السلطوي، مما سوف يكون مصيرها «بأذن الله» الفشل والإنحدار وأقتلاع جذورها من الأساس دون هوادة، حتى وإن كانت على المستوى الأسري أو الإجتماعي على أقل تقدير.
وقبل الختام نود الإشارة، بإن من الآداب والفضائل الحميدة في التعامل مع الناس كل الناس حتى الأقرباء، وهو ما حث عليه الإسلام وشدد عليه ”علمائنا الأفاضل“ حفظهم الله في خطبهم، رعاية الحقوق، أحترام الخصوصيات، حفظ الأسرار، الاعتدال والتوازن، الإحترام المتبادل في العلاقة، وقد جاء ذلك في خطبة الجمعة يوم أمس، لسماحة الشيخ العلامة حسن الصفار - حفظه الله - 5 ذو الحجة 1444، أن تجعل بينك وبين من تتعامل معه ”حدود“ أي بمعنى آخر ”مسافة آمنة“ تستطيع من خلالها الرؤية بوضوح في حالة التباين في وجهات النظر والإختلاف لا سمح الله، وحتى لا تصطدم وإنما تتوقف في الحال وقبل فوات الأوان، وأبان سماحته رعاه الله، أن من أخطر التحديات والامتحانات التي يواجهها الانسان في الحياة، امتحان العلاقة مع الآخرين في محيطه الاجتماعي، فحين تكون علاقته جيدة مع من حوله، يكون أقرب إلى الرضا عن نفسه، والنجاح والسعادة في حياته،
وحين تتعثر علاقاته مع الآخرين، ينعكس ذلك سلباً على استقراره النفسي، وتتعقد حياته، ويكون أقرب إلى التعاسة والشقاء.