سجال الأنا والآخر
من هو الآخر؟
هل هو كل انسان مخالف لك في أفكاره ومعتقداته فقط؟
أم أنه توجد تصنيفات متعددة لهذا الآخر تختلف باختلاف الأفكار والرؤية والانتماء؟
ولماذا نضيق ذرعا بالآخر لدرجه أننا نعتبره عدوا وشريرا يخطط لتدميرنا! هذه التساؤلات التي دائما نردّدها، ونعيدها مرة تلو الأخرى تجاه الآخر، وكأنه سيفاً مسلطاً علينا لتحجيمنا وتقييدنا تجاه التغيير والتنمية والتطوير.
في عالمنا العربي تعاملنا مع الآخر المختلف معنا في الدين واللغة والرؤية بصورة سلبية ولم نستفد من الإيجابيات التي تم طرحها من الآخر، وتم التركيز على السلبيات، وبالتالي أصبحت لدينا الصورة السوداوية تجاه المختلف في كل شيء.
وهنا أقف عند موضوع مهم ورئيسي يتعلق بمفهوم حقوق الإنسان الذي بدأ يستعيد بعضا من حيويته لدى المجتمعات العربية، نتيجة للتغيرات التي عصفت بالعالم وحولته إلى قرية كونية عن طريق ثورة الاتصالات والمعلومات، فإن الاهتمام بهذا الموضوع بدأ يأخذ دوره من خلال ما قامت به الدولة ومؤسسات المجتمع المدني في العالم العربي من إنشاء هيئات ومؤسسات تهتم بحقوق الإنسان، وأصبحت مادة حقوق الإنسان تدرس في المناهج التعليمية، والقيام بورش عمل للتثقيف والتوعية.
ولعل عدم الاستجابة المبكرة لمفاهيم حقوق الإنسان والتوقيع على الاتفاقيات الدولية ك «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان - والعهدين الدوليين والوثائق العالمية والإقليمية».
يعود ذلك لأمرين: الأول مصدر المفهوم وأصله، فالأصول تعيده للغرب، وبالتالي هذا المفهوم مرتبط بذلك الآخر، الذي لا يتوافق مع تراثنا وأعرافنا وبنائنا الاجتماعي والثقافي، ومرة أخرى هو أداة يستخدمها الغرب في فرض سيطرته على قيمنا ومبادئنا، وتدمير بلادنا بحجة حقوق الإنسان عبر سياساته الاستعمارية التي لا يزال يمارسها تحت مسميات مختلفة، مرة باسم فضّ النزاعات الداخلية فيتدخل في الكثير من الدول لتدميرها والاستيلاء على ثرواتها وإخضاعها لسياساته والسيطرة عليها، وأخرى للضغط على الدول من أجل فرض إملاءاته وشروطه السياسية بحجة انتهاكات حقوق الإنسان، والأمثلة على ذلك كثيرة خصوصا في دول العالم الثالث من أسيا وأفريقيا، كل ذلك باسم حقوق الإنسان، لذلك أصبحت الثقة شبه معدومة في الغرب ومن سياساته التي تكيل بمكيالين في التعامل مع دول العالم وحسب المصلحة، إذ أصبح الآخر بالنسبة للغرب لا قيمة له.
وهذا ما تؤكده الوقائع الراهنة التي يعيشها المواطن العربي في مختلف المجتمعات العربية التي تؤكد هذه الوجهة، ويكفي أن نقارن بين حقوق الإنسان غير الغربي في بلاد الغرب نفسه «الموقف من المهاجرين، الوافدين واللاجئين نموذجاً».
أما تعامل الغرب ونظرته إلى حقوق الإنسان في البلاد العربية، فأمامنا حقوق الفلسطينيين المهدورة بالكامل في الأرض والحياة وغيرها من الانتهاكات الأخرى في العديد من الدول.
الأمر الثاني: اختلاف الأولويات لدى مجتمعاتنا، فبينما المجتمعات الغربية قامت بتأمين المسكن والعيش والتعليم وغيرها من الحقوق الأساسية لمواطنيها مبكراً، فتحولت الأولويات لديهم هي المطالبة بالحريات اللامحدودة، والتي تعدّت الفطرة الإنسانية، وذلك بسبب الرفاهية والمادية المفرطة. أما مجتمعات دول العالم الثالث لا زالت تسعى لتأمين حاجاتها الأساسية، ففي الكثير من الدول البحث عن المأوى والمأكل والملبس، والتعليم وغيرها من الحقوق تعتبر أولوية بالنسبة لها، وتأتي الحريات الأخرى ثانوية.
إن الحرص على إدراك مفهوم الأنا والآخر إدراكا صحيحا، يساهم في التخلص من أشكال التفريق والتمييز ويؤدي في النهاية إلى فهم معنى احترام الإنسان للإنسان.