النهوض الشيعي وتنكر النظام السياسي
شهدت العقود الثلاثة الأولى من القرن الجديد تحولا مهما في الوضع الشيعي على مستوى العالم لاحظه المراقبون وتوقفوا عند دلالاته. بعضهم عبر عنه بـ (صحوة الشيعة) وآخرون تحدثوا عن (انبعاث) الطائفة،وبعضهم عن صحوة المستبعَدين.
فعلى المستوى السياسي تحقق لهم لأول مرة دولة قائمة على أساس ديني بقيادة علماء دين بعد ثورة استطاعت القضاء على النظام الموالي للغرب. وقد نختلف أو نتفق في تفاصيل ما يجري على الساحة الإيرانية، غير أن بقاء هذه الدولة لمدة ثلاثين سنة، بالرغم من كل التحديات يُعد انجازًا مهمّا.
وفي تجربة المقاومة للعدو الإسرائيلي قدم الشيعة اللبنانيون مثالا طيبا، استطاعوا فيه إسقاط فكرة الجيش الذي لا يقهر والذي عملت إسرائيل باستمرار على تكريسها بالقول والفعل.. فقد خرج الإسرائيليون مرغمين تحت وطأة الضربات المتتابعة التي وجهتها لهم المقاومة في سنة 2000 في مشهد أثار الكثير من المعاني والتداعيات، وعندما حاولوا أن يعيدوا شيئا من الثقة بجيشهم، إذا بهم يواجهون قوة أسطورية تتصدى لهم، وكان أقصى غاياتهم أن يقنعوا من الغنيمة بالإياب من (بنت جبيل) ووحول الجنوب!، ولكي لا يرجعوا بالفضيحة فقد صبوا جام غضبهم على البنايات والمدنيين، فكانت فضيحة أخرى أعظم في عام 2006م.
وفي مجال ثالث خاض الشيعة العرب تجربة يعتقد بأنها أكثر نضجا وهي التجربة العراقية الحديثة، فبالرغم من خروجهم من حالة الاضطهاد والمظلومية التي استمرت معهم عقودا كثيرة حرموا فيها من حقوقهم الأساسية، ومورس تجاههم الإقصاء بل العنف والتنكيل بصوره البشعة وكان يتوقع أنهم مع خروجهم من تلك الحالة في صورة الغالبين المتمكنين أن يبدأ تيار الانتقام والإقصاء المقابل، إلا أنهم تغلبوا على تلك الحالة -بفضل قياداتهم الدينية والسياسية التي وقفت بقوة أمام هذا التوجه-. وأصروا على مشاركة المكونات الأخرى في المجتمع العراقي، كما احتكموا -بالرغم من الأوضاع الأمنية والشحن النفسي- إلى صناديق الانتخابات، في نحوٍ يذكر بالانتخابات الحرة التي تجري خارج بلاد المسلمين عادة!.
كما أننا نشهد توجها متوازنا نحو الفعل السياسي في أكثر من منطقة من مناطق الشيعة، ومحاولة المشاركة السياسية بعدما كان هذا الأمر غير محسوم على المستوى النظري والفكري، فضلا عن الممارسة العملية.. ولاشك أن مثل هذا التوجه -بعد مرور مقدار من الوقت- سيكون له أثر كبير في إندماج الشيعة في أوطانهم، وخروجهم من التغييب والتهميش والإقصاء الحاصل له. إن خروج الشيعة من حالة الانتظار السلبي والانفعال إلى مرحلة الفعل والدور يعد من أهم تلك العلائم التي تشكل الصحوة الشيعية..
الصحوة الشيعية ليست موجهة ضد فئة:
مما يؤسف له أن قسما من أبناء الأمة تعامل مع هذه الصحوة والنهضة تعاملا طائفيا غير مبرر، وكأنها موجهة ضد الطوائف الأخرى في الأمة، فبدأ بالتشويش عليها والتهويل مما وصفه بآثارها السلبية.. وهذا التعامل شمل السياسيين وقسما من المفكرين، ومن الطبيعي أن الجمهور سيسلك نفس الطريق هذا.
لقد أصبحنا نشهد في الإعلام عبارات عن خطورة (الهلال الشيعي)، وعن التخوف من الشيعة في مناطقهم المختلطة لأن ولاءاتهم خارجية وارتباطهم ليس بوطنهم!
إننا نعتقد أنه كان ينبغي أن يرحب المسلمون من الطوائف الأخرى بالصحوة الشيعية تلك والقوة الناهضة، وذلك لأن قوة أي جزء من أجزاء الأمة سيعود بالقوة على الأمة ككل.
لم يأخذ الشيعة مواقع غيرهم من الطوائف، أو يستقووا عليها وإنما الذي حصل هو أنهم صاروا أقوياء وغالبين في وجه أنظمة مرتبطة بالاستعمار الخارجي كما هو الحال في مثال الثورة الإسلامية في ايران، أو في وجه أنظمة علمانية لا ترتبط حقيقة بطائفة من المسلمين كما هو مثال الحالة العراقية، أو أنهم واجهوا إسرائيل وهي عدو الجميع. فكان الصحيح أن يتم الترحيب بهذه الصحوة والغلبة.
نعتقد أن توجه الشيعة إلى المشاركة السياسية والاندماج ضمن المكونات الوطنية والدخول في المعادلة السياسية هو أمر مهم ومفيد لجميع المسلمين، إذ أنه ينظم العلاقات بين طوائف المسلمين على أساس معقول، ويتيح لكل فئة أن تتخذ خياراتها ضمن قدراتها وحجمها الواقعي.
إن ما لاحظناه هو قيام الأنظمة السياسية باستغلال هذه الشعارات لتصفية حساباتها مع دول محسوبة على الشيعة، ومع قيادات شيعية، بل ومع مواطنيها الشيعة الذين أصبحوا متهمين بالارتباط بالخارج حتى تثبت براءتهم ولن تثبت! أو متهمين بالاختراق للمجتمعات غير الشيعية وسيكون التشيع ونشر فكر أهل البيت عندئذ من أدلة الجريمة والاتهام!.
لقد سعى هؤلاء إلى محاصرة التشيع حتى في مناطقه، بأنه وافد حديث العهد، وبأنه حالة سياسية لا ترقى إلا إلى عدة عقود من الزمان، حتى لقد قال بعضهم إن الشيعة عليهم أن يرحلوا من بلاد العرب إلى الأماكن التي جاؤوا منها!.