مأزق العقلية الإجتماعية التسووية
من المؤكد أن ينتج عن أي علاقة إجتماعية بين أي طرفين إختلاف في وجهات النظر فليس من المنطق أن نجد شخصين متطابقين تماماً في الرؤى والأفكار ، كما هو الحال بالنسبة لبصمة اليد ، أو الأصابع ، حيث لا توجد بصمة متطابقة تماماً مع بصمة شخص آخر ولو كانا شقيقين توأم من بويضة واحدة أو ما يُسمى بـ " التوائم المتماثلة " .
وفي ذات السياق لا توجد خريطة ذهنية متطابقة لشخصين ولو كانا يعيشان في ذات البيئة الإجتماعية ، ويخضعان لنفس النمط التربوي والتعليمي ، وهذا له مدلولاته العميقة على حكمة الباري عزّ وجل ، التي إقتضت حدوث الإختلاف بين البشر ليتحقق التكامل في العمران البشري ، الذي يُعد الإتصال بكافة أشكاله من أهم مظاهره الإعتمادية .
ويلحظ المراقب للتفاعلات الإجتماعية من حوله ظهور بعض الإختلافات بين الناس التي غالباً ما تكون وليدة لذلك التباين في وجهات النظر ، أو التضاد في وجهة الإستقطابات الإجتماعية أو الفكرية ، الأمر الذي قد يحيلها إلى شكل من أشكال النزاع ، أو الصراع الإجتماعي ، يظهر على السطح تارة ويختفي تارة أُخرى وفقاً لمحركات التجاذبات الإجتماعية من هنا أو هناك ، ولكنها في جميع الأحوال – ولله الحمد – لم تخرج عن إطارها المألوف منذ سنين ، وإن ارتفعت درجة حرارتها في أحيان كثيرة بسبب حماس الأتباع ، وإندفاعهم لإثبات صوابهم " ومظلوميتهم التاريخية " وكلٌ يدعي وصلاً بليلى .... !!
ويبادر البعض من الخيِّرين إلى رأب الصدع ، وتقريب وجهات النظر ، وعودة المياه إلى مجاريها . وفي سبيل تحقيق ذلك الهدف النبيل يسعى هؤلاء المخلصون إلى الضغط على هذا الطرف ، ومحاولة تليين موقف الطرف الآخر من أجل لمِّ الشمل بإستثمار قاعدة " عفا الله عمّا سلف " لعلّ وعسى أن يكتب الله النجاح ، ويذوب جبل الجليد الذي تسبب في إنخفاض شديد في درجة حرارة العلاقة بين " طرفي المشكلة " مما شلّ حركة كلاهما في التقدم ولو قيد أنملة نحو طريق التسامح ، وطي صفحة الماضي التعيس .
ويتضح من خلال رصد مُعظم جهود إصلاح ذات البين التي إعتمدت على إسلوب " التسويات " أنها - وللأسف الشديد – تموت وهي في ريعان الشباب ، أو إنها تكون " كناطحات سحاب تمت عمارتها على كثبان رملية " الأمر الذي يساهم في ضياع كل الجهود المخلصة التي بُذلت في ردم الهوة السحيقة بين محور القضية ، ويعيدها إلى نقطة الصفر بصورة أكثر صلابة ، وأشد تعنتاً مما مضى ، وأعتقد أن الرغبة الشديدة في تحقيق الصلح الخاطف هي التي تدفع بالمبادرين نحو الإهتمام بإزالة جبل الجليد ، وإهمال تلك البركة العميقة التي غالباً ما تكون قابعة في أسفل الجبل الجليدي المهيب ، وتتسبب فيما بعد في غرق قارب المصالحة ، بل وتُفشل كل المحاولات التي تُبذل من قبل فريق الإنقاذ لإنتشاله . والسبب هو تجاهل عوامل الصراع تحت الإصرار على تحقيق المصالحة الهشّة التي وإن حافظت على الشكل الإجتماعي ، وأدخلت السرور إلى القلوب ، إلاّ أنها لا تلبث أن تنهار . أليس كذلك ؟ تحياتي .