اقرأ قليلا وافهم كثيرا
ليس الهدف من القراءة زيادة المقروء من الكتب، بل مقدار ما يستوعبه القارئ منها، حتى إن نسي بعضه لاحقًا، أو اعتقد بأنه نسي كل شيء؛ لأن الحقيقة أنه عند قراءة أي كتاب أو مادة مكتوبة لا بد أن يبقى أثر منها في قارئها وإن لم يشعر به. المشكلة هي أن بعضهم يقرأ وكأنه في سباق مع الزمن أو مع الآخرين، وآخرون يحاولون إنهاء الكتب التي يقرؤونها بأسرع وقت حتى يبدؤوا بقراءة كتب أخرى، ناسين، أو متناسين، أن لذة القراءة هي في رحلة القراءة كاملة لا عند انتهائها.
ويتأثر بعضهم في قراءة الكتب بما ينشره الآخرون عن عدد الكتب التي قرؤوها خلال عام، إذ يذكر أحدهم أنه قرأ خمسين أو ستين أو حتى مئة كتاب خلال عام، بل إنني قرأت عن أشخاص يزعمون أنهم يقرؤون خمسين كتابًا في الشهر! ورغم أن هذا ليس بمستبعد أبدًا فإن لكلٍّ ظروفَه والتزاماته وقدراته وأوقات فراغه التي لا تتشابه بالضرورة مع ظروف آخرين قد يكونون مشغولين بأمور والتزامات تحتل معظم أوقاتهم، فالمقارنة هنا مع الآخرين ظالمة، ومن ثم فينبغي أن يقارن المرء نفسه بنفسه في فترة زمنية سابقة لكي يتأكد أنه في حال تقدم وتنامٍ.
أما عن عدد الكتب التي ينبغي أن نقرأها كل عام أو كل شهر، فذلك من أكثر الأسئلة شيوعاً، لكن إجابته صعبة ومركبة للغاية؛ لأن ذلك يعتمد على عدة أمور؛ منها حجم الكتاب، وعدد صفحاته، ومن أي العلوم هو؟ وهل هو من الكتب السهلة في أسلوبها أم الصعبة؟ وهل خلفية قارئها حولها جيدة؟ ثم ماذا عن مزاجه، وحجم الهموم وضغوط العمل التي مر بها في تلك الفترة؟
ولأن القارئ، كما قال دانيال بناك، هو ذلك ”الناسك من عهد ما قبل الطوفان، المتربّع منذ الأزل على جبل من الكتب التي امتصّ عصارتها حتى فهم علّة كل شيء“، فإن عليه أن يتريث بين صفحات الكتب، متأملًا معانيها، وأن يضع علامات أو خطوطًا على النقاط المهمة أو اللافتة، ويكتب ملاحظاته على الهوامش أو على الصفحات البيضاء من الكتب، وهو ما سيسهل عليه فهم المحتوى أثناء القراءة أو حين يعود إليها في أي وقت. كذلك فإن كتابة المراجعات المختصرة للكتب على بعض وسائل التواصل الاجتماعي، أو على بعض المواقع المتخصصة في نشر مراجعات الكتب، مثل www.goodreads.com، تساهم في التعلق بالكتب من جهة، وفي زيادة فهم مضامينها من جهة أخرى.
هذا وهناك من يرى أن إعادة قراءة الكتب وسيلة جيدة لفهم أعمق لها، بل إن بعضهم يقول إنه لا يمكن قراءة نفس الكتاب مرتين، ويقصد أن القراءة فعل تراكمي؛ ففهم كتاب اليوم يعتمد على ما قرأته قبل ذلك اليوم، فحين تقرأ الكتاب ثانية فسوف تفهمه فهمًا مختلفًا عن المرة الأولى لدرجة أنه قد يصبح كتابًا آخر.
* ”لا أندفع في القراءة كأنني في سباق، بل أعيد قراءة الأجزاء التي أعتقد أنها الأهم حتى أفهم مغزاها.“ الكاتب الياباني هاروكي موراكامي