المجتمع ووجهاء البلد
يحدثنا التاريخ، كثيراً عن الدور العظيم الذي كان عليه الأباء والأجداد، ففي كل بلد يتواجدون شخصيات من رجاله، كانت لهم الصولات والجولات على حد التعبير المتعارف عليه وقتها، حاملين على عاتقهم المسؤولية تجاه مجتمعهم.
هم من عامة الناس، يميزهم انهم رجال، ذو إدراك ومعرفة بأحوال الناس، يملكون من الصبر والحكمة والسكينة والوقار والأخلاق الحميدة الفاضلة، يتناولون قضايا وأشجان الأهالي من ديارهم ويسعون للإصلاح بكل عناية وبشعور يؤكد إهتمام الإنسان لعشيرته ولإبناء جلدته، كانت أفعالهم معروفة قبل اسماؤهم، رجال عظماء صامتون، فمنهم العالم الجليل والشيخ الموقر الكبير والشخصية المجتمعية المرموقة، يفرحون لفرح أهالي بلدتهم ويتألمون لهمومهم، جسور محبة وأخاء، وابواباً للتسامح والصلح وعمل المعروف بالمحبة والخير.
شخصيات مجتمعية بارزة ومقتدرة، فهم جزء من المجتمع، يعتمد عليهم ويستأنس الأهالي بهم وبآرائهم ومشوراتهم، يحترمونهم ويقدرونهم، فهم عوناً بعد الله، متحدثون بارعون في المناسبات الرسمية والأهلية، أهل رآي سديد، شريحة من المجتمع معروفة بوجاهتها وخبرتها الطويلة بقضايا مجتمعها، يطلقون عليهم ”أعيان ووجهاء البلد أو المنطقة“ لما لهم من الصفات الإجتماعية الفذة، قد أهلتهم لنيل هذه المميزات الإنسانية النبيلة، يسهرون الليالي في خدمة مجتمعهم ووطنهم، ملاذاً لأصحاب الحاجات الإجتماعية والمادية وهم عن المسؤول ليس ببعيد، يتحدثون للمسؤولين بما يعانيه الأهالي وينقلون لهم مطالبهم وما يخص أمورهم الإجتماعية بكل أمانة وإخلاص، مما يطلق على البعض منهم ”رجال المهمات“ وهم من الشخصيات الهامة الذين يقدمون الخدمة والمساعدة لبعض الدوائر الحكومية، كالأحوال المدنية وقضايا الميراث وغيرها العديد، لما لديهم من معرفة وخبرة، فالدولة حفظها الله والمجتمع يعتز ويفتخر بهم ويقربونهم، فصدورهم واسعة وبيوتهم مفتوحة لإستقبال الناس ”كل الناس“ للتواصل وللإستماع بما لديهم ولإيجاد الحلول المناسبة والمشرفة لهمومهم ومشاكلهم العالقة، وعلى سبيل المثال، ما أن حصل خلاف لا سمح الله بين الأخوة أو الجيران أو العوائل فإن أولئك الوجهاء يقومون بواجب الصلح بين المتخاصمين وعودة الود والتراحم والجيرة بينهم.
رجال منهم الأمي ومنهم الأديب والمعلم والعالم وكبير السن والتاجر والبحار والبناي والعامل والمختار والعمدة والغني والفقير فالجميع منهم لهم مكانتهم وهيبتهم وتقديرهم وإحترامهم، فابواب الخير والأجر والثواب مفتوحة للجميع - فخير الناس أنفعهم للناس - حريصين كل الحرص على التآزر والمحبة ونبذ الخلافات، الأمر الذي أنعكس حينها على صفاء سريرة أبناء مجتمعهم وتلاحم أفراده كشجرة ملتفة بعضها ببعض ففيها الوفير ومنها الكثير من العطاء والإبداع والإنجازات العظيمة والراقية ومنها التسامح والألفة والمحبة والإخاء، حريصين أن يكون الجميع من الأهالي في أجواء صافية ونقية، تجسد روح الأسرة الواحدة الكريمة وفي ظل التواصل الإجتماعي النبيل، مخلديين في ذلك الدور التاريخي الأصيل لأسلافهم من الأباء والأجداد، رحم الله الماضين منهم وأطال الله في اعمار الباقين ومن سار على نهجهم وسعى بخطاهم بالدور الإصلاحي العظيم، ليرتقي مجتمعهم ووطنهم، متعهم الله بالصحة والعافية وحفظهم من كل سوء ومكروه.