متلازمة العام الجديد
ثلاثة أيام فقط، تفصلنا عن عام جديد بكل ما يحمل من أحلام وطموحات وتطلعات. ثلاثة أيام فقط، ويُسدل الستار على عام طويل ومحمل بالكثير من الأحداث والقصص والغرائب، ليبدأ عام جديد بكل ما يحمله من آمال ورغبات وتحديات. عام جديد يتوشح بالبياض والنقاء والتفاؤل والأمل، كيف لا ووهج البدايات هو من يرسم لوحات الفرح ويعزف ألحان الأمل. وتلك هي عادة البدايات وشغف الصفحات، ولكن سرعان ما تدور عقارب الساعات وتختلط الأمنيات بالرغبات، فيتلوّن العام الجديد بكل تلك الألوان والأشكال والتفاصيل المتضادة التي تُشكلها أفراحنا وأحزاننا، طموحاتنا وخيباتنا، انتصاراتنا وانكساراتنا، ضحكاتنا ودموعنا، والكثير الكثير من التفاصيل الجميلة والبديعة، تماماً كالتفاصيل الحزينة والموجعة.
بسرعة فائقة، مرّ عامنا محملاً بكل تلك الصناديق المزدحمة بالحكايات والأمنيات التي أرهقها كاهل السنين، ليسلم رايته البيضاء لعام جديد يعزف ألحان الفرح والسعادة.
في نهاية كل عام، تقوم الشركات والمؤسسات والبنوك بمراجعة دقيقة لكل الأرقام والنسب والإحصائيات والبرامج والمشاريع والملفات والخطط التي أقرت، سواء أنجزت أو لم تُنجز. عملية جرد شاقة ودقيقة لكل تفاصيل العام المنصرم، وتلك عادة سنوية تُباشرها تلك الشركات والمؤسسات والبنوك، كمراجعة ضرورية لميزانية عام كامل.
كشف حساب كهذا، يُسهم بلا شك في كشف ملامح التميز والتفوق، وكذلك يُبرز تفاصيل الضعف والقصور. هذا الكشف الذي يُعدّ أسلوباً رائعاً وفعالاً في الشركات والبنوك، نحن بحاجة ضرورية لتقليده في حياتنا الخاصة. فكم نحن بحاجة لعملية مراجعة سنوية لكل تفاصيل حياتنا لمعرفة حقيقتنا دون الوقوع في فخاخ التسويف والخداع. عملية مراجعة كهذه، كفيلة بكشف كل شيء في حياتنا، هذا طبعاً إذا كانت رغبتنا حقيقية، مهما كانت مؤلمة أو موجعة. نحن بحاجة لهزة عنيفة في مثل هذا الوقت من كل عام لنعرف صلابة أنفسنا، ولنُعلّق جرس إنذار ليكشف جاهزيتنا.
عام مضى يلفظ أنفاسه الأخيرة، مستحضراً كل صفحاته ال365 التي خطّت ولوّنت كل تفاصيل وملامح حياتنا. وعام مقبل يحمل الأمل، ويبحث عن دروب السعادة والفرح التي قد تاهت في زحمة العام المنصرم. عام يودعنا وعام يستقبلنا، تلك هي سنة الحياة التي كانت ومازالت وستبقى شاهدة على رغباتنا وأحلامنا وطموحاتنا.
كم نحن بحاجة ماسة لكشف حساب دقيق لكل تفاصيل حياتنا الصغيرة والكبيرة، ليكون عامنا المنصرم نبراساً لعامنا المقبل، ولكي نقيس حجم مكتسباتنا وأرباحنا، وأيضاً خسائرنا وهزائمنا.