التخطيط لوقت الراحة
ننتظرُها بشدةٍ ولهفة، ونترقّبُها بحماسةٍ وشغفٍ ونحنُ نحدقُ في دائرةِ الزمن، مع شعورنِا المختلطِ ببطءِ حركتِهَا. فترةٌ زمنيةٌ مختلفةٌ من حيث مدتِهَا بينَ الناسِ وبحسبِ ظروفِ حياتِهِم المتنوعةِ والمعقدةِ، هذه اللذةُ الزمنيةُ تُمَثِّلُ الملاذَ الذي تتوقُ إليهِ النفوسُ وتتشوّقُ بعدَ سلسلةٍ طويلةٍ وممتدةٍ مِنَ الأعمالِ التي تمَّ إنجازُهَا، والأمورِ التي كانَ ولا بدَّ منْ الانتهاءِ منها، إِنها ذلكَ الوقتُ النفيسُ والعزيزُ الذي نكونُ في أمسِّ الحاجةِ إليهِ بعدَ جهدٍ وتعبٍ وَنَصَبٍ في أبدانِنَا وعقولِنَا، إنهُ وقتُ الراحةِ بكلِّ ما تعنيهِ هذه المفردة رباعية الحروفِ من معنى، فكلُّ حرفٍ منها لهُ قصةٌ، شخصياتها الاسترخاء والهدوء والصفاء النفسي والسكينة وما شاكل ذلك من مفردات.
وقتُ الراحةِ الذي ننتظرُهُ وننشدُهُ ونشتاقُ إليهِ، والذي نرفضُ أنْ يُكَدِّرَ صفوهُ شيءٌ، يحتاجُ إلى تخطيطٍ مسبقٍ قَبْلِي وأهدافٍ جَلِيَةٍ ومحددةٍ؛ كي يكونَ في أعلى سقفِ توقعاتِنَا ورغباتِنَا وطموحاتِنَا، وإذا لم نُعِد العُدَّةَ ونتأهب ونخطط له فلن ينعكسَ علينا بما نحبُّ، ويكون الإحباطُ عاقبتَهُ، إلا في حالاتٍ نادرةٍ ونادرةٍ جدًّا يكونُ فيها الحظُّ والصدفةُ والتوفيقُ حليفًا لنا والباحث عنَّا، وإلا ففي الأعمِّ الأغلبِ يمرُّ ذلكَ الوقتُ كغيرِهِ من الأوقاتِ دون بصمةٍ تُذْكَر، وربما يتحولُ إلى تعبٍ فوقَ تعبٍ وَنَصَبٍ فوقَ نَصَبٍ، فمتعةُ هذا الوقت من الراحةِ تضعفُ وتضيقُ وتقلُّ إلى حد التلاشي إن لم نُهَنْدِّسَ بأقلامِنَا مخططًا صالحًا لبناءِ راحتِنَا؛ حتى تكونَ السعادةُ والسرورُ والبهجةُ والفخامةُ هي النتائجُ المتوخاةُ والمأمولةُ من ذلك الوقتِ؛ فتكون لنا وقودًا فعَّالاً نستقبلُ بهِ بكلِّ قوةٍ وصلابةٍ الأيامَ القادمةَ من الجهدِ والتعبِ والعناءِ والإنهاكِ.
هذا التخطيطُ مطلوبٌ، غيرَ أنَّ هنالك مشكلة يقعُ فيها الكثيرون منا، فَبَعْدَ التخطيطِ الجيدِ وترتيبِ الأوراقِ، ومعرفةِ الخطواتِ والبدءِ فيها، نجدُ أنفسنا لا نستمتعُ بوقتِ راحتِنَا كما ينبغي، وهذه النتيجةُ سببها ليس التخطيط الخاطئ وإنما سلوكياتنا أثناء قضاءِ ذلك الوقت، حيث ِإننا نُبْقِي أنفسنا طواعيةً دونَ إجبارٍ في دائرةِ المشتتاتِ أثناء وقتِ الراحةِ، فنستمرُّ في تلقي المكالماتِ الهاتفيةِ التي يُمكنُ تأجيلُهَا، وننغمسُ في الردِّ على الرسائلِ في برامجِ التواصلِ الاجتماعي، وننشغلُ بالتصويرِ لا بالصورةِ، ونقلقُ ونفكرُ في تقييمُ الآخرينَ لنا، وغير ذلك مما يُضْعِفُ من درجة استمتاعنِا بذلك الوقت الفاخر، وتكون نسبةُ نجاحِهِ غير مقنعةٍ لذواتِنَا.
الأمرُ بينَ أيديكم، ولا يحتاجُ إلا لممارسةٍ وتعودٍ، ولهُ رُكْنَانِ أساسيانِ: تخطيطٌ جيدٌّ مدروسٌ، وابتعادٌ قدرَ الإمكانِ عنْ دائرةِ المشتتاتِ، فَهُمَا طريقُكَ لِتَنْعَمَ بوقتِ راحتِكَ.