لا تحكم على الكتاب من عنوانه
تُعدّ المقولات والحكم والأمثال، خلاصة التجربة الإنسانية التي تشكلت خلال قرون من المغامرات والتراكمات والخبرات، الأمر الذي جعلها تطفو على سطح الحياة كلما دعت الحاجة لها، لقد ساهمت تلك المدونة الشفاهية المتراكمة المكتنزة بعمق الزمان والمكان، أن ترصد وتوثق الحياة البشرية بمختلف مستوياتها الثقافية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية، كما عكست أيضاً واقع وطموحات وتطلعات المجتمعات والشعوب والأمم، وذلك من خلال عبارات ومقولات وحكم بليغة وطريفة وهادفة.
ويجد الدارس لهذا الحقل الثقافي الشعبي، ارتباطاً وثيقاً بين هذه المقولات من جهة وبين الحياة من جهة أخرى، فالحياة بكل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة، أصبحت المادة الأثيرة لهذه المقولات التي لم تكن مجرد عبارات جميلة وهادفة ولكنها تحولت إلى مصادر للتوجيه والتأثير، خاصة على أولئك الذين لا يملكون الوعي والنضج.
تلك مقدمة ضرورية للوصول لفكرة المقال وهي الكتابة عن ظاهرة الحكم على الناس أو الأشياء نتيجة الانطباع الأول أو الشكل الخارجي/ الظاهري.
”الكتاب واضح/ باين من عنوانه“، مقولة شهيرة تُستخدم بكثافة في حياتنا، تماماً كما لو كانت حقيقة ثابتة، هذه المقولة المؤثرة وغيرها التي يزدحم بها قاموس الحكم والمقولات والأمثال التي لا تستند على نهج علمي أو عمق فلسفي، تُستخدم بمثابة الدليل/ الكتالوج الذي نستعين به لتركيب وربط أفكارنا وقراراتنا وأحكامنا.
كثيرة وكبيرة هي المصائب والكوارث التي نرتكبها بحق أنفسنا أو بحق الآخرين، نتيجة تسرعنا واندفاعنا حول الحكم على الأفكار والأشخاص، لأننا نؤمن بتلك المقولة التي تحولت إلى ما يُشبه الحكمة المقدسة، مقولة أصبحت طريقة في التفكير، بل وأسلوب حياة لدى الكثير منا، فهي تحضر دائماً كلما احتجنا لاتخاذ قرار أو توجيه نصيحة، كم من شخص جيد رُفض في طلب الزواج، فقط لأن شكله الخارجي مصداقاً لمقولة الكتاب واضح من عنوانه، وكم من فكرة جيدة يخاف الكثير الاقتراب منها، فقط لأن أحدهم شيطنها فأصبحت كاللعنة التي تُعرف من عنوانها؟
ليتنا نبذل القليل من الجهد والوقت ونتحلى بشيء من الوعي والصبر، لنحكم على أفكار وقناعات الآخرين، بعيداً عن القرارات المتسرعة والانطباعات الأولية، وأن نستبدل مقولة ”الكتاب واضح من عنوانه“ التي أثبتت الأيام والتجارب عدم دقتها وصحتها، ونتبنى هذه المقولة الرائعة: ”لا تحكم على الكتاب من عنوانه“.