دولتنا السخية ودعم الصحافة الوطنية
لا شك بأن الصحافة تُعدّ الوسيلة الأكثر قدرة على ممارسة الاتصال / التواصل الجماهيري في العصر الحديث، بل وخط الدفاع الأول لحماية كل مكتسبات ومقدرات وتطورات المجتمعات والشعوب والأمم. الصحافة بمختلف ألوانها ومستوياتها ومنصاتها، ليست مجرد وسائل لنقل الأخبار والأحداث أو مجرد منصات لصنع المواقف والتوجهات أو مجرد شبكات لمراقبة المستجدات والتطورات، الصحافة كل ذلك وأكثر بكثير، فهي منذ عقود طويلة تُمارس الكثير من الوظائف والأدوار والأبعاد المهمة والمعقدة والذكية لنشر الوعي وصياغة الفكر وتوجيه الرأي، هي باختصار البوصلة الوطنية التي تُشير باستمرار إلى تطور وتنمية وازدهار المجتمعات والشعوب والأمم، وهي القوة الناعمة الأبرز في قائمة أهم قوى ناعمة في العصر الحديث.
تلك مقدمة ضرورية للوصول إلى فكرة / هدف المقال وهو الكتابة عن واقع المؤسسات الصحفية الوطنية الرائدة التي تواجه تحديات وجودية وأزمات مالية، لدرجة أن البعض منها لم تقوَ على الصمود وتوارت عن الظهور بعد عقود من التألق الصحفي، والأمر يزداد تعقيداً وصعوبة لدى المؤسسات الصحفية التي ما زالت تُقاتل من أجل البقاء والاستمرار في وظيفتها السامية وهي ممارسة الركض الصحفي الذي يستحق الكفاح والنضال. صحافة الوطن بكل تاريخها ونضالاتها ومواقفها ورموزها، ساهمت وما زالت تساهم بشكل كبير في تطور وتنمية الوطن، وذلك بممارسة أدوارها ووظائفها التنويرية والتنموية والرقابية، ولكن ما يحدث لهذه الصناعة المهمة في كل العالم من تراجع وتأثر، يدعو للخوف والقلق من غياب مثل هذه الكيانات الصحفية الرائدة التي كانت الشريك الرئيس والفاعل في نهضة وتطور الوطن.
كم هو مؤلم حدّ الوجع، تعرض هذه الكيانات الوطنية الملهمة التي ساهمت في قيادة الوعي الجمعي وصياغة الرأي العام باتجاه عشق الوطن والولاء لقادته، كم هو محزن حدّ الألم أن تتوارى هذه الصحف الوطنية الكبرى التي واكبت البدايات الأولى لنشأة الوطن وشاركت بعشق في تطوره وازدهاره.
تُقاس المجتمعات والشعوب والأمم في ميزان التطور البشري، بما تملك من علوم ومعارف وفنون وآداب وثقافات واختراعات وابتكارات، وبما تُساهم في تمدن وتنمية وازدهار العالم، وأيضاً بما تملكه من صحافة قوية ومهنية وموثوقة، تلك هي مصادر الفخر والاعتزاز والزهو الوطني الذي يستحق المجد.
ما تمر به صناعة الصحافة التقليدية الأصيلة في وطننا من تحديات وصعوبات، أثر بشكل كبير على أدائها وقوتها، الأمر الذي ترك الساحة الإعلامية والصحفية بوجه الخصوص مستباحة من قبل غير المؤهلين والأكفاء لممارسة هذه المهنة المعقدة والمهنية. نعم، لقد تغيرت أساليب المرحلة وتبدلت قواعد الصحافة، ولكن الاحترافية والمهنية والمصداقية لن تجدها إلا على صفحات تلك الصحف الوطنية الرائدة التي تملك تجربة صحفية رائدة ولديها سياسة تحريرية مسؤولة وتعرف جيداً كيف تضع الوطن بكل ملامحه وتفاصيله في الصورة المناسبة التي يستحقها.
نعم، نحن في عصر صحافة جديدة، وهذا ما يجب أن تعرفه جيداً الصحف الوطنية الرائدة، ولكنها الآن في أمس الحاجة للدعم، هذه البيوتات الصحفية الوطنية الأصيلة، كانت وما زالت رأس حربة الوطن في وجه كل من يُسيء للوطن وقادته وشعبه.
نعم، نحن في عصر جديد، بأفكاره وأشكاله وصحافته الجديدة، ودعم ومساندة هذه المؤسسات الصحفية الوطنية الرائدة، سيساعدها في تواصل وظيفتها النهضوية والتنموية ولتكون المرآة الأمينة التي تعكس روعة وسمو هذا الوطن الذي يحسده القاصي والداني؛ لما حباه الله من الثروات والخيرات والبركات.