كفيف قرأ أكثر من المبصرين
رغم أن خروخي لويس بورخيس قضى قرابة نصف عمره أعمى، إلا أن مجموع ما قرأه يزيد عما قرأه معظم من عاش على وجه الأرض. فهو ومن دون مبالغة مهووس بالقراءة؛ حيث كان يقرأ كل ما تقع عليه عينيه منذ صغره، واستفاد بشكل كبير من وجود مكتبة والده؛ التي ضمت آلافًا عدة من الكتب، وكان يقضي فيها معظم وقته.
بعد ذلك أصبح من الرواد المداومين على مكتبة الحي الذي يسكنه حتى أصبح مسؤولها. وعندما أصيب بالعمى قامت أمه بالقراءة له لمدة خمس سنوات، ثم وعندما التقى بألبرتو مانغويل طلب منه أن يقرأ له مقابل مبلغ مالي، حيث وقع على الشخص المناسب الذي كان أيضًا محبًا للقراءة وألف مجموعة من الكتب التي تؤرخ للقراءة.
وبورخيس هذا هو كاتب أرجنتيني عاش بين عامي 1899 و1986م وتعلق بالقراءة ثم عمل في مكتبة عامة، وقيل إن أمه كانت تطلب منه في صغره أن يترك الكتب، وأن يخرج للشارع، ويستنشق الهواء ويعيش حياته، إلا أنه كان يرى حياته في القراءة.
وعندما حصل انقلاب عسكري في بلاده عوقب بإبعاده عن الكتب والمكتبات وتحويله إلى وظيفة أخرى أبعد ما تكون عن الكتب؛ وهي تفتيش الدجاج والأرانب في سوق الخضار وذلك إمعانًا في إهانته. وبعد الإطاحة بالجنرال بيرون تم تعيين بورخيس أمينًا للمكتبة الوطنية، رغم كونه حينها على وشك فقدان بصره.
واستمر بورخيس في شراء الكتب حيث كان يقول إنه لا يريد أن يصدق أنه فقد بصره، ويقول إنه يعتبر الكتب أحد أسباب سعادة الإنسان، وإنه يتخيل الجنة على شكل مكتبة. ولم يتعلم بورخيس لغة برايل «الخاصة بالمكفوفين»، بل واصل الاستفادة من الكتب العادية عبر حاسة السمع، بينما كانت سعادته تتضاعف بلمس الكتب وشم رائحتها، وكان يتعرف على أماكن تخزينها في المكتبة الوطنية، لذلك فقد كان يقول: أنشئ مكتبة ولو من ثلاثة كتب، وستقاوم جزءًا من قباحة هذا العالم، كل مكتبة هي صفعة في وجه العالم الجاهل، وترفع عن أميته وخفته.
ومن شدة شغفه بالكتب فقد وصف حالة فقدانه للنظر بالقول «بدأت أجد نفسي محاطًا بكتب بلا أحرف، ثم فقدت أصدقائي، ثم لاحظت بأنه لا أحد في المرآة»، حيث اعتبر أن الكتب هو أول شيء فقده!
وعلى الرغم من هذا الوضع الصعب لبورخيس، فقد ألف عددًا كبيرًا من الكتب، وحصل على العديد من الجوائز، كما وضعت صورته على إحدى العملات المعدنية الأرجنتينية، ولم يكن ينقصه إلا جائزة نوبل للأدب؛ التي قال عنها أحد الكتاب إنها نسيته!
تأثر بالأدب العربي وكتب الشعر والمقال والمسرحية والنقد الأدبي، وقام بالترجمة من الإنجليزية والفرنسية والألمانية إلى الإسبانية. ومن كتبه: الألف، الدنو من المعتصم، النمر الآخر، وسم السيف، المرايا والمتاهات، العمي، السرداب، هول المرايا، مرآة الحبر.
من كلماته:
· إننا بحاجة إلى الخيال، كي نواجه تلك الفظاعات التي تفرضها علينا الأشياء.
· كل رواية هي خطة مثالية أدرجت في عالم الواقع.
· الكتابة ليست إلا حلمًا موجهًا.