عقدة الكراسي الأمامية
لا يوجد شيء سخرية وإثارة من صخب وفوضى المهرجانات والاحتفالات، أكثر من الحيرة والصدمة التي قد تصنعها الملهاة الكوميديا للكراسي الأمامية، حالة من الارتباك والدهشة، بل والتدافع والتسابق من أجل الفوز بكرسي في الصفوف الأمامي التي يعتبرها البعض المهمة الأكثر قيمة من الحفل نفسه.
معركة الكراسي الأمامية، هي حفلة مدهشة بذاتها لأنها قد تخطف الأنظار وتوزّع الضحكات، وهي مواجهة ساخنة بين المنظمين والمدعوين لا تهدأ نارها ولا تتوقف هجماتها، حفلة الكراسي الأمامية، فرصة لمشاهدة مباراة مخجلة من الكر والفر ينتصر فيها الأقل خجلاً ورقياً، ويزداد أو يقل ضجيج وصراع معركة الكراسي الأمامية، بحسب قيمة ومكانة الحفل أو المناسبة.
والسؤال هنا: لماذا يُقاتل البعض للفوز بالكراسي الأمامية بدرجة قد يبدو الأمر كما لو كان حياة أو موتا؟ هناك العديد من الإجابات المختلفة والمتباينة، المباشرة والعميقة: فهناك من يظن بأنه الأولى والأحق بالجلوس على الكراسي الأمامية لما يملك من قيمة أو مكانة أو تأثير أو اسم أو مال، وهناك من يُريد أن يكون قريباً من الأضواء والعدسات والمنصات، وهناك من يعشق الظهور في الصور والصحف والتلفزيونات، وهناك من يعرف بأن أصحاب الكراسي الأمامية هم أول من يتحدث ويتداخل ويستعرض، وهناك من اعتاد على الكراسي الأمامية لأنها تمنح أصحابها خدمات استثنائية كالقهوة والعصيرات والخدمات، وهناك من تختاره بروتوكولات الكراسي الأمامية بناء على وظيفته أو منصبه أو علاقاته، وهناك من يُجرب حظه بالفوز بكرسي أمامي الذي قد يستقر به طوال الحفل أو قد يُطلب منه الجلوس في الكراسي الخلفية، وهناك الكثير من الأسباب والرغبات والمستويات الأخرى لمتلازمة عشق الكراسي الأمامية.
مهرجان الكراسي الأمامية الذي يتكرر في أغلب الاحتفالات، قد يظنه البعض ملمحاً بسيطاً، ولكنه ليس كذلك في حقيقة الأمر، فهو يعكس مستوى الوعي الذي يملكه عشاق الكراسي الأمامية الذين يُمثلون شريحة عريضة من نسيج المجتمع، عقدة الكراسي الأمامية، واحدة من الظواهر السلبية المجتمعية التي تستحق الدراسة والعلاج.
قبل سنوات، دُعيت للمشاركة في مهرجان وطني كبير، وكان الافتتاح ضخماً ومزدحماً، وجلست في الكرسي المحجوز باسمي وكان في الصف الأمامي، وقبل أن يبدأ الحفل بدقائق شاهدت مثقفاً شهيراً يمشي كالطاووس ويرمق باستخفاف الضيوف الجالسين فقط في الكراسي الأمامية، وقد علمت بعد ذلك بأنه قد غادر القاعة ولم يحضر الاحتفال لأنه لم يجد كرسياً في الصف الأول.