لياقة القراءة
لأننا يجب أن نقرأ فنقوم بتخصيص وقت لذلك، فإن علينا أن نحاول أن تكون قراءاتنا أكثر فاعلية وتأثيرا على حياتنا. ولتحقيق ذلك فإن هناك جملة من التوصيات التي تحسن نتائج القراءة.
منها أن على القارئ أن يختار الكتاب الذي يحبه ويرتاح إليه. صحيح أن من الجيد أن يطلب أحدنا نصيحة الآخرين قبل البدء في القراءة، لكن يجب أيضا أن نرتاح للكتاب من النظرة الأولى، فليس حب الجنس الآخر وحده يمكن أن يكون من النظرة الأولى بل حتى حب الكتب «سَهَري لِتَنقيحِ العُلومِ أَلَذُّ لي - - مِن وَصلِ غانِيَةٍ وَطيبِ عِناقِ.. وَصَريرُ أَقلامي عَلى صَفَحاتِها - - أَحلى مِنَ الدَوكاءِ وَالعُشّاقِ». ويتحقق هذا الحب عبر الارتياح لعنوان الكتاب ومؤلفه وحتى غلافه. صحيح أن هذه الأمور ليست المعيار الدقيق لجودة الكتب، لكنها هامة جدا لكل من يعتبر نفسه مبتدئا في القراءة، لأن خلاف ذلك هو التوقف عنها. وحتى لو أدى الأمر إلى أن تكون نسبة الاستفادة من كتاب ما متدنية فلا ضير، لأن القراءة عادة لو اعتدتها فإنك سوف تنتقل حينها إلى كتب أفضل. هنا نقصد أهمية الخطوة الأولى في الانخراط في عملية القراءة والبقية تأتي لاحقا. فعادة المطالعة هي المتعة الوحيدة التي لا زيف فيها إنها تدوم عندما تتلاشى كل المتع الأخرى «الروائي الانجليزي ترولوب».
وهنا أيضا لا نفوت القول بأن التنقل في القراءة بين موضوع وآخر لا علاقة بينهما هو أمر عادي فهو أولا يضيف إلى الحصيلة اللغوية للقارئ كما يضيف إلى معلوماته ويمنحه درجة أعلى في مستوى لياقة القراءة كما هي اللياقة البدنية. وهي حقيقة قد لا يعيها إلا من يصل إليها، حيث نرى الفرق بين إنسان يغلبه النعاس أو التعب والملل من الصفحة الأولى لكتاب يقرؤه وآخر يلتهم الكتب التهاما ولا يتحرك من مكانه إلا عندما يقلب الصفحة الأخيرة حتى لو أدى ذلك إلى سقوط مكتبته عليه وموته تحت الكتب كما حصل للجاحظ، أو كمحمد بن سحنون الذي انشغل عن الطعام بالقراءة والكتابة فقامت أمته بإطعامه ولم يشعر بأنه قد أكل إلا في اليوم التالي.
فلنجعل القراءة إذن لنا عادة كما هي بعض العادات الأخرى، حتى نصل إلى مستوى عال من لياقة القراءة بحيث نقرأ ونحن متعبون لا متشوقون وفرق بيت النوعين كما يقول جلبرت كيث.
ولياقة القراءة تأتي بنمطين الأول القدرة على مواصلة القراءة تحت مختلف الظروف وفي مختلف الأماكن، والثاني القدرة الفائقة على استيعاب أفكار الكتب من أول مرة وحتى فهم بعض الجمل من بدايتها.
إذن لا ضير في أن يقرأ أحدنا اليوم في التاريخ وغدا في الأدب والشعر وبعده في الفلسفة وفي اليوم الرابع في فنون الطبخ مادام يقرأ. لكن هذا المنوال لا ينبغي أن يستمر طويلا، فحالما تتحقق لياقة القراءة يأتي دور التخصص ولو في عنوان عريض جدا في البداية قبل أن نتخصص إن وجدنا ذلك ضروريا.