لماذا الخوف من المجتمع الجديد؟
يبدو أن تعريف / مفهوم المجتمع قد تعرض للكثير من التطورات والتحولات، بعضها شكلية وسطحية، وبعضها جوهرية وجذرية، والمجتمع ”Society“ هو نسيج بشري تشكّل عبر الزمن ويخضع لحزمة من النظم والضوابط الاجتماعية التي تؤطر علاقات أطرافه البينية والخارجية، كل ذلك بهدف حفظ وتماسك أفراده وجماعاته، هذا هو التعريف المختصر والبسيط للمجتمع التقليدي الذي فقد تواجده في أغلب دول العالم، حيث تطور وتغير المجتمع بشكل أفقي وعمودي، وطرأت عليه الكثير من المستجدات والمقومات، بل والاختلافات والتناقضات. فالمجتمع الآن لم يعدّ ذلك المكوّن الإنساني الذي تحدّه الجغرافيا ويُعمّقه التاريخ، فقد تحوّل إلى ”مجتمع جديد“ أو ما بات يُطلق عليه بالمجتمع المعولم، متخطياً كل الحدود الجغرافية وعابراً لكل فضاءات التاريخ.
ما زلت أذكر جيداً ذلك المجتمع الصغير الذي ترعرت فيه، مجتمع هادئ ومسالم، محدود التفاصيل وثابت الملامح، رتم التغيير فيه يميل للبطء، وإيقاع الانفتاح فيه يعزف بحذر، هو أشبه بعائلة كبيرة تتفرع منها عائلات صغيرة متشابهة الأفكار والرؤى والعادات والتقاليد والطموحات والتطلعات، حتى شريحة الشباب التي كانت ممتلئة حماساً وتمرداً، لم تكن تصطدم بفكر ومزاج ذلك المجتمع التقليدي.
مجتمعات الألفية الثالثة أصبحت أنموذجاً وأسلوباً للحياة العصرية بكل ما تحمله من صعوبات وتحديات، وبكل ما تُبشّر به من تناقضات وانفتاحات. مفهوم المجتمع الجديد أكثر تعقيداً وإثارة، فهو خليط من الأفكار والمكونات والقناعات والأديان والأطياف والعادات والأعراق والجنسيات. المجتمع الجديد أشبه بفسيفساء متعددة الألوان ومتنوعة الأفكار، وهي من تصنع إنجازاته وإبداعاته وهي من تُسهم في تنميته وازدهاره.
المجتمعات الجديدة أو المعولمة، امتداد طبيعي للمجتمعات التقليدية، ولا ينبغي القلق أو الخوف من ذلك، بل على العكس تماماً، يجب استثمار وتوظيف هذا التطور والتحضر للحصول على أغلى المكتسبات والوصول لأعلى الطموحات.