الديمقراطية الثقافية
لعل أقرب معنى للديمقراطية معناها السياسي الذي هو بمعنى «حكم الشعب وهو المعنى الذي يتلخص من معناها اليوناني، وهي قديمة إذ يرجع تاريخها إلى الإغريق والرومان، ولها أنواع كثيرة؛ فهناك الديمقراطية السلطوية والالكترونية والتوافقية والعرقية والعالمية...» «1».
أما ما هي الثقافة فقد تم الحديث عنها وتعريفها وتفصيل الكلام فيها في مشاركات ومقالات عديدة سابقة «2».
ولو أردنا الجمع بين المصطلحين لنعرّف الديمقراطية الثقافية لكان في وجهة نظري هي المرونة والحرية وتقبّل الرأي الآخر والتي هي عكس الاستبداد والهيمنة والتسلط.
فليس من الديمقراطية الثقافية التزمّت والتفرد بالرأي وعدم تقبل الرأي الآخر، واحترام الرأي المقابل هو ولاشك من الديمقراطية الحرة والثقافية.
فعندما تحاول إقصاء الرأي الآخر لمجرد أنه خالفك الرأي فأنت حينئذٍ بعيد كل البعد عن الديمقراطية الثقافية والشيء بالشيء يذكر ففي إحدى المرات كتب أحدهم مقالاً جيد وقد قرأته ولذلك حكمت عليه إلا أنه لم يوفق في اختيار العنوان فقلت له أن العنوان لا يمكن أن يوصف بما ذكرته فما كان منه إلا أن قال تركت الموضوع وتشبثّت بالعنوان وكأنه يريد أن يقول لي أنك تصطاد في الماء العكر، ولا يمكن أن أحكم على الموضوع إلا بعد قراءته وهذا ما حدث فعلاً وكأني أقول أنني لا أؤمن بمقولة أن «الموضوع» يقرأ من عنوانه.
وما يناقض الديمقراطية الثقافية أنك لا تتحمل النقد حتى وإن كان بناءً وجيداً وهذا ما يؤسف له فقد كنت جالساً مع مجموعة من مثقفي الاحساء وتكلّم أحدهم قائلاً لمن بجواره، كيف قال عنك فلان في الأمسية وعن روايتك ذلك الكلام فرد صاحبنا سيعلم ماذا سأفعل به وأخذ يهدد ويتوعد!!.
أهكذا تكون ردود المثقفين وأصحاب الديمقراطية الثقافية؟ ّ!
ونقف في النهاية قليلاً مع الديمقراطية الثقافية الدينية إن صح التعبير، وهل تتعارض الديمقراطية وولاية الفقيه وكيف نوفق بينهما؟
هل كان الأنبياء ديمقراطيون مع ما لهم من الحاكمية المطلقة، ومما لا شك فيه أن الأنبياء بحكم أنهم يستمدون الحكم من الوحي ومن السماء فهم أهل صواب وحكم حق ونافذ وليس هنا مجال للحوار والنقاش حول الديمقراطية ولكن لو كان الفقيه غير معصوم كيف سيجمع بين الديمقراطية وولاية الفقيه؟
وكما قلنا آنفاً الشيء بالشيء يذكر فقد كنا في أحد الاجتماعات مع أحد المشايخ من طلبة العلم وكان في تلك الفترة يعد طالب علم مبتدئ درس المقدمات في إحدى المدن العلمية وجاء إلى أرض الاحساء وكان الاجتماع الآنف الذكر والتصويت فيه على أحد الأنشطة فصار الاختلاف على ذلك النشاط بين مؤيد ومعارض فما كان منه إلا أن قال «أنا الشيخ ورأيي هو المأخوذ به»، فماذا نصنّف هذا الكلام ديمقراطية أم استبداد وهل هو معذور فيما قاله؟ ّ!.
وخلاصة المقال أنه لابد للديمقراطية الثقافية أن تسود في كل مجال سواء السياسي أو الديني أو خلافه؛ حتى تسود حرية الرأي والفكر فإذا كان ذلك سادت العقلانية وابتعدنا عن قمع الآراء والظلم والاستبداد.