الزواج شراكة حقيقية"2"
أهلاً بكم من جديد في سلسلة: "الزواج شراكة حقيقية", نستذكر ثم نستكمل المشوار, تحدثنا فيما سبق على أن الوجود البشري هو نظام, فقد يكون ذلك النظام, جزء من نظام, أو هو مجموعة من الأنظمة الصغيرة, التي تعمل فيما بينها بانسجام, كما تحدثنا عن أقسام الأسر من حيث الإشباع, والاستقرار, وقسمناها لأربعة أقسام, ثم تحدثنا عن المرحلة التأسيسية لمشروع الزواج, وأطلقنا على تسميتها: "مرحلة تقديم الزواج في الأسرة", وعرضنا مثال واحد لهذه المرحلة, كما أشرنا إلى دورة حياة الأسرة, وكذلك إلى المعايير, وإلى الاختبارات النفسية, ولا أخفيكم سرًا لن أسرع كثيرًا في عرض نقاط المعايير والاختبارات النفسية, وإنما سأبقى قليلاً في توضيح بعض الأفكار المرتبطة بمرحلة تقديم الزواج في الأسرة.
في مثالنا السابق, تم الموافقة بسلام على مشروع الأخ الأوسط بالزواج, ولكن هل الأمور تمضي دائمًا بسلام؟ قلت إن مشروع الزواج يعتبر نقلة نوعية في كيان الأسرة, فهل من الممكن رسمها بالصور بشكلها الهيكلي؟ لماذا تنصح بعد التسرع في تقديم مشروع الزواج في الأسرة, والقفز إلى مرحلة تقديم المعايير؟ ما هي المخاوف والمحذورات؟
كثيرة هي الأسئلة التي تجعلك تتحير, فهل لهذه الدرجة الزواج يحتاج لدراسة مستفيضة, كما يحتاج لتهيئة الأجواء, والظروف المناسبة للإعداد لهذه الخطوة, وقد يظهر لنا من يرى أن الإعداد للزواج أمرًا سهلاً للغاية, ولكن الواضح أن صاحب السلسلة جالس يضخم الأمور....
له الحق في أن يقول ما يريد, فأنا أعمل على نقل تصورات حديثة قل مناقشتها, أو الكتابة فيها, منها هذه المرحلة, فهي المرحلة الأساسية في الزواج متى ما نجحت بامتياز, فتحت لك المجال للنجاح في المراحل المتقدمة من الزواج وتكوين الأسرة السعيدة, فلهذا من الجيد فهم هذه المرحلة.
* ما هي النقلة النوعية التي ستحدث في الأسرة؟
النقلة النوعية التي ستقوم بها في كيان الأسرة, حينما تطرح مشروع الزواج, هي أنك ستنفصل جزئيًا من كيان الأخوة العزاب, إلى كيان الأخوة المتزوجين, حيث ستقوم بالانفصال الجزئي, هذا الانفصال قد لا يكون مرحب به, أو قد يعمل إرباك في الأسرة, أو عمل اتحادات متصارعة داخل الأسرة, كما أنك ستقوم بإدخال عضو جديد, هذا العضو قد لا يكون مرحب فيه. فلهذا في البداية ننصح طرح المشروع على أنه فكرة جدية, ولكن بدون أسماء, أو اختيارات, أو معايير, فقط فكرة مشروع بطريقة جدية.
* مثال: لنقل في الأسرة الثانية طرح فكرة الزواج الأخ الأكبر – كما هو المعتاد – وقام بجميع الإجراءات التي تناولناها سابقًا (التسويق والإقناع والتمرير),
فما هي النقلة النوعية؟
النقل النوعية هي خلق كيان جديد مستقل, لكنه يكتسب جميع امتيازات كيان الأخوة من جهة, وكذلك يكتسب امتيازات جديدة, كما إنه ينحى إلى منحى الاستقلالية, فلهذا غير مستبعد أن يكون هناك تزاحم بين الأخوة وكذلك الأخوات والأم, قد يدعونا للتخفيف من سرعة الأقدام على المشروع.
بعض الأسر هيئت نفسها لمرحلة تزويج أبنائها, وبعض الأسر لم تستعد لهذه الخطوة, لا بل يأتيها الأبناء بمشروع الزواج, وكأنه مشروع الطيران للفضاء!!, ولكن مع ذلك نحن نريد من الراغبين في الزواج, التأكد من جاهزية الأسرة لمرحلة الخطبة, فلهذا علينا تعبيد الطريق بطريقة سليمة وصحيحة. (راجع شكل 2).
وصلت فكرة مشروع الزواج لجميع كيانات الأسرة وأفرادها, ولكن للأسف ظهرت بعض الآراء التي لم تتقبل المشروع, جيد هذا أمر طبيعي في النقلة النوعية التي ستقوم بها, تحتاج لصبر.
تأمل لهذه الآراء هل تشكل اتحادات داخل كيان الأسرة, إذا كانت تشكل اتحادات – أي يوجد رأي مع, ورأي ضد – فالأفضل عدم التسرع؛ لأن التسرع يخلق لك مشكلات مستقبلية, منها على سبيل المثال:
1. إعادة تقسيم الأسرة إلى اتحادات متصارعة.
2. سيعمل كل اتحاد, خصوصًا الاتحاد الغير موافق على المشروع, إلى إرباك المشروع, وخلط الأوراق من جديد.
3. سيعمل كل اتحاد لجذب أفراد من الاتحاد المخالف, أو جذب أفراد لم يتورطوا مع أي اتحاد (بين بين, لا مع ولا ضد).
4. لن يتم تقبل الزوجة داخل كيان الأسرة, لعدم الموافقة على فكرة المشروع, حيث تم المشروع دون موافقة جميع الأعضاء والكيانات.
5. إذا تم تقبل الزوجة, فسيكون التقبل صوري, ولكنه في الخفاء سيتم دائمًا إلقاء الألفاظ التي تدلل على عدم التقبل.
6. وقد يصل عدم التقبل إلى أولاد الزوج والزوجة في المستقبل. (الجيل الجديد).
أما إذا كانت الآراء لا تشكل اتحادات فيها جذب, وتحريك البساط, فالأمور بسيطة إن شاء الله.
لنرجع للذي ظهرت معه الأمور على شكل اتحادات, لا تتصور أن المسألة بالحسم, ستنتهي, فالحسم في الأمور الإنسانية لا ينفع كثيرًا, حاول تجلس مع جميع الأفراد الذين لديهم آراء, اسمعها, واحصرها على شكل نقاط في ورقة, ثم أجلس مع نفسك وفكر, كل فكرة كيف يمكن الإجابة عليها, كيف أقنع صاحبها, حاول تلاحظ الآراء ومن أين أخذتها؟ إن كان الشخص الذي أطلقها فرد عملي أقنعه بالطريقة العملية, إذا كان الشخص عاطفي فأقنعه بالطريقة العاطفية, إذا كان الشخص متدين أقنعه بالطريقة الدينية, وهكذا, ولا تعتبر المسألة شخصية, فالأجمل أن تقرب وجهات النظر, ولا حاجة لتحميل الموضوع فوق طاقته, ثم لاحظ هل لا زالت الاتحادات قائمة, إذا كانت كذلك, أجلس مع الجميع جلسة وأعرض الموضوع بطريقة حوارية هادئة, تارةً تتكلم بطريقة إنسانية, وتارةً بطريقة دينية, وتارةً بطريقة عملية, وتارةً بطريقة فكرية, وتارة بطريقة اجتماعية ونفسية, وحاول وأنت تعرض الفكرة أن تعرضها بشكل سلس ومريح ومرتب حتى تتسنى لك الخروج من المجلس بالموافقة الحتمية, ولا يمنع من ذكر بعض المزاح والطرف والابتسامة, فهو مدعاة ليتقبلك الطرف المقابل, واجعل هذا الأسلوب أسلوبك في الحوار دائمًا, وسينفعك في المستقبل حينما نتحدث عن الخطبة, وعن الزواج, وعن الأسرة والحوارات ولغة التفاهم. (راجع شكل 3)
إذا اقتربت من الانتهاء في طرح فكرت, اسمح لهم بأن يسمعوك ما لديهم, وإذا انتهت آراءهم, قم بشكرهم؛ لأنهم منحوك وقتًا من وقتهم, وابتسم وأنت تعدهم بفهم أفكارهم بطريقة مغايرة, واسمح لهم ببعض الأيام ليفكروا مع أنفسهم, وأنت كذلك.
في هذه الوقت, أنصحك بأن لا تقوم بأمور غير محسوبة, فأنت الآن تحت الأضواء, إذا كنت ممن يسهر لوقت متأخر خارج البيت, أنصحك بالرجوع للبيت ما بين 10 إلى 11 أو قبلها, إذا كنت ممن يضجر من حديث الأهل, حاول أن تهدئ فهو جميل لك ولصحتك وللآخرين, أي أمر أنت تمارسه حاول أن تعيد النظر فيه من أجلك ومن أجل مستقبل الزواج, ومستقبلك الأسري, وجعل هذا الوقت برنامج للتغيير, والصبر ولحساب الأمور قبل فعلها بتهور أو تسرع.
إذا انقضت المدة المحددة لاحظ ردود أفعالهم, ولاحظ هل لازالت الاتحادات قائمة, إذا كانت الأمور كذلك, فنصيحة مني, أما أن تقترب من أفراد الاتحاد الغير موافقين على المشروع بطرق منها: الهدية, الضحك, فهم مخاوفهم, وتقديم بعض من الاطمئنان لهم ولمستقبلهم, وأنك لن تتخلى عنهم, أو أنسى الأمر فالأسرة غير مهيأ لمشروع الزواج!.
قد يقول قائل: الحسم أفضل, تزوج ولا تأخذ رأي الآخرين, خصوصًا وأنك ستسكن خارج الأسرة.
سأقول لك: قف قليلاً مع شجرة الموز!.
ثم سأجيبك في الحلقة القادمة.... فانتظرني وتأمل جيدًا في شجرة الموز!