لماذا يُتقن البعض صنع الضجر؟
لا شك أن الحياة تغص بالكثير من الآلام والأحزان والأوجاع، تماماً كما تزدحم أيضاً بالكثير من الأفراح والمسرّات والنجاحات، تلك هي طبيعة وظروف الحياة، فلماذا نقف كثيراً عند ضفة الألم وننسى الاستمتاع بشاطئ الأمل؟
قاموس الضجر الذي تزداد مفرداته/ حالاته بشكل سريع وكثيف، يكاد يخنق أفراحنا وأحلامنا، تماماً كما لو كان يُلاحقنا كظلنا أو حتفنا. اللوم والعتب والمراقبة والترصد والشك والقلق والحسد وغيرها الكثير من أسباب الضجر التي تُسيّج حياتنا.
في حياة عصرية ومتسارعة، لا يمكن التنبؤ بحاضرها، فضلاً عن مستقبلها، لذا فنحن بحاجة ماسة لممارسة ضبط ساعة الفرح والبهجة كلما أتيحت لنا الفرصة، ونحتاج أيضاً لالتقاط بعض الأنفاس المليئة بالأمل والسعادة، لكي لا نشعر بالضجر ونرسم على وجه الرتابة بعض ملامح المتعة والدهشة.
وللضجر أشكال ومستويات كثيرة، تكفي لأن تُصنّف حولها الكتب والمؤلفات وتُقدم عنها البرامج والتقارير، ولكن أشدها خطورة وتأثيراً هو تحوّل الضجر إلى رغبة جامحة تحتشد بالخوف وترتمي في حضن العزلة، فهذه النسخة المتطورة والخطيرة من الضجر تُلقي بصاحبها في منحدرات الألم.
وقد يولد الضجر من طبيعة الحياة أو من صناعة البشر، والضجر حالة/ علاقة تشاركية لا يمكن الفكاك منها غالباً، خاصة تلك التي تأتي من البشر المتخصصين في صناعة الضجر. وصنّاع الضجر ضيوف غير مدعويين ولكنهم يحضرون قبل الكل، يتحدثون في كل شيء ويُجيبون على كل الأسئلة وتكاد تجدهم في كل مكان وزمان، هدفهم الأول والأخير هو صناعة الضجر وتحويل حياتنا إلى فائض من الكآبة والقلق والوجع.
ومهما حاولنا أن نوقف سيل الضجر بتجنب صنّاع القهر، فعلى الأرجح أننا لن ننجح، فهؤلاء يملؤون الفضاءات والساحات والنقاشات، تلك حرفتهم التي يُتقنونها حدّ الضجر.
وحتى نستطيع هزيمة جوقة الضجر التي تؤدي رقصة الحزن والألم لتُحيل حياتنا إلى ميلودراما بائسة وكئيبة، نحتاج لأن نعمل بهاتين النصيحتين المهمتين:
الأولى: صنع وسائلنا المفضلة والمحببة للإلهاء والانشغال من الضجر وصنّاعه، وتكون عادة بقراءة كتاب أو مشاهدة فيلم أو الخروج في نزهة أو غيرها من الملهيات الجميلة.
أما النصيحة الأخرى فهي البحث بصدق ورغبة عن مسببات ذلك الضجر والذي سنكتشف أن أغلبه لا يستحق كل ذلك الحزن والضجر.