لماذا نرسب في مادة التعبير عن مشاعرنا؟
كم هو غريب طبعنا نحن البشر، نُتقن جيداً قذف مفردات الشتم والسباب والوقاحة، بل ونتفنن بابتكار عبارات القبح والابتذال والبذاءة، ولكننا نتلعثم، بل ونُصاب بالبكم بمجرد أن نفكر بتمرير كلمة حب وامتنان وعرفان لأمهاتنا وآبائنا وأخواتنا وإخوتنا وأصدقائنا وزملائنا.
وممارسة التعبير عن المشاعر والعاطفة مشكلة متجذرة ومعقدة، ولكنها متفاوتة ومختلفة بين المجتمعات والشعوب والتي قد تجاوز بعضها هذه ”العقدة العاطفية“، بينما تسكن البعض الآخر ثقافة الخجل والعيب، وهي صحراء قاحلة مسيّجة ببعض العادات والتقاليد الخانقة التي تُحرّض على كبت المشاعر وترشيد العواطف، تلك المجتمعات والشعوب الخائفة والمترددة مازالت بعد لم تُطلق العنان لمشاعرها وأحاسيسها الطبيعية والفياضة تجاه الأشخاص والأشياء، وكأن ثمة جدران سميكة تُغلّف قلوبها وتمنع مشاعرها.
عزيزي القارئ: كم مرة قلت لأمك: أنا أحبك؟! وكم مرة قلت لأبيك: كم أنا فخور بك؟! وكم مرة قلت لأختك: ما أجملك؟! وكم مرة قلت لأخيك: أريد أن أكون رائعاً مثلك؟! وكم مرة قلت لزميلك في العمل: كم هو رائع أن أعمل بجانبك؟! أسئلة لا تبحث عن إجابات بل عن قناعات.
لماذا الكثير منا هكذا؟ ولماذا لا نعرف كيف نُعبّر عن مشاعرنا؟ ولماذا نظن - وهنا كل الظن إثم - أن المشاعر والأحاسيس يجب أن لا تغلبنا، بل على العكس تماماً يجب أن نُقيدها ونكبحها، فذلك هو الأفضل والأكثر وقاراً ورصانة؟ ومن الذي زرع فينا ”بذرة الجفاف العاطفي“ فنمت وتكاثرت في شخصياتنا وذواتنا؟ ومن الذي أقنعنا بأن قول وترديد مفردات وعبارات الحب والامتنان تُسقطنا في براثن الضعف والميوعة؟.
أعرف جيداً أن الموضوع معقد ومتشظٍ في آن معاً، وهو بالفعل يحتاج للاهتمام والمناقشة بل والبحث والدراسة، فكبت المشاعر ووأد الأحاسيس قضية خطيرة جداً قد تُصيب المجتمع في مقتل، وقد يتحوّل إلى فيافٍ قاحلة وخالية من المشاعر والعواطف، وتُعد المنظومة الوجدانية التي تتصدرها المشاعر والأحاسيس والأشواق من سمات الشخصية السوية المتزنة التي تملك وعياً حقيقياً، وغياب المشاعر أو جفاف العواطف سيؤثر بلا شك في اتزان واستقرار المجتمعات والشعوب، لأنها تُمثّل مزيجاً متناغماً ومتكاملاً بين الأفكار والرؤى والقناعات من جهة، والمشاعر والأحاسيس والعواطف من جهة أخرى.
وكم أشعر بالحزن والأسى ولكن بعد فوات الأوان، لأنني كنت بخيلاً بعواطفي ومشاعري تجاه أبي وأمي - يرحمهما الله -، فلم أعتد على البوح لهما بحبي وامتناني بالقدر الذي يستحقانه، ولم أقل لأبي كم أنا أحبك! وكم أنا معجب بشخصيتك العصامية! وكم أتمنى أن أكون مثلك!. وليتني أمطرت أمي العزيزة بوابل من كلمات وعبارات الحب والعاطفة، وليتني قلت لها أحبك عدد مرات خوفها وحزنها علي، وليتني قلت لها أنت ”البطلة“ في رواية عمري، ليتني.
نصيحة بطعم الحسرة من نادم حيث لا ينفع الندم: لتكن ”أحبك“ المفردة التي تتردد أكثر من الأنفاس، خاصة حينما تكون باتجاه الأم والأب.