يا قطعة من القلب...!
في المدرسة، درسنا سيرة نبي الرحمة، التي تضمنت حادثة الإسراء والمعراج، حيث أرسل الله نبيه ليلاً مع جبريل - - على دابة تسمى البراق من المسجد الحرام بمكة إلى بيت المقدس ثم عرج به في رحلة سماوية إلى الملأ الأعلى عند سدرة المنتهى وهي أقصى مكان يمكن الوصول له في السماء وعاد به لفراشه وقد حدث كل ذلك فقط في جزء من الليل.
عرفنا أول قبلة للمسلمين وأدركنا قضية فلسطين من أول سنيِّ حياتنا، حيث حرصت المملكة على تدريس القضية وتفاصيلها في مناهجها الدراسية ومنذ سنوات الدراسة الأولى. عندما كنا في المرحلة الابتدائية كانت مدرساتنا تشجعننا على شراء ريال فلسطين دعماً للقضية الفلسطينية مما زرع فينا الإحساس بالمسؤولية تجاه فلسطين على الرغم من أننا لم نزرها قبلاً. لقد تعلقت قلوبنا بها منذ نعومة أظافرنا مع أننا لم نكن نعرف منها سوى ما ذكر في الكتب المدرسية، كخريطة فلسطين، حدودها، موقعها الجغرافي، مناخها، منتجاتها الزراعية، صور المسجد الأقصى وأول قبلة للمسلمين وأخيراً احتلال البريطانيين ووعد بلفور المشؤوم.
مع انفتاح العالم والتطور التكنولوجي، أصبح من السهل نقل الصور ومقاطع الفيديو مباشرة وفي نفس وقت حدوثها من أقصى بقاع الأرض لكف اليد. أتذكر ذلك اليوم قبل قرابة العشرين سنة، في 30 سبتمبر سنه 2000م، الذي نقلت فيه قنوات التليفزيون ومواقع الإنترنت لقطات لأب وطفله وهم يحاولان الاحتماء ببرميل إسمنتي من زخات الرصاص الغزيرة التي انهالت عليهما، والتي استمرت لـ 45 دقيقة متواصلة. لم يكن الأب وابنه يحملان أي سلاح أو حتى حجارة. استجداء الأب لهم بوقف إطلاق النار، محاولة الأب حماية فلذة كبده بجسده الذي اخترقه وابل الرصاص حتى فقد إحساسه به، صراخ الأب «مات الولد، مات الولد!!»، رقود الصبي ذي الاثني عشر ربيعاً على ساق أبيه، ثم ترنح الأب، مشاهد رسخت في ذاكرتي وذاكرة الكثيرين. دائماً ما أقول وأكرر أن هنالك أحداثا ومواقف يعتبر حدوثها نقطة تحول في مسار العالم حيث لا يعود العالم بعدها مثلما عهدناه قبلها. حادثة استشهاد الطفل محمد الدرة هي واحدة من تلك الأحداث التي لن ينساها العالم أبداً. أتذكر أني بكيت في ذلك اليوم كما لم أبك قبل ذلك في حياتي قط.
وكم كانت مضحكة مبكية محاولات الصهاينة اليائسة لتزييف الحقائق بإنكار الموضوع أو بوضع الكبة «الطاقية اليهودية» على رأس جمال الدرة وابنه الشهيد محمد ليعتقد العالم أنهما ضحايا إسرائيليين تحت وابل من الرصاص الفلسطيني.
لقد صدم العالم أجمع بمدى بشاعة تلك الحادثة وبدلاً من محاسبة المسؤولين عنها، منع تكرار مثل تلك الحوادث، وتطبيق قانون حماية المدنيين العزل عامة والأطفال خاصة، توالت مقاطع اعتقال، تعذيب وقتل المستعمرين الصهاينة للشعب الفلسطيني كبارهم وصغارهم حتى أطفالهم بدون رادع يردعهم. إيمان حجو ذات الأشهر الأربعة، التي فطمتها شظايا القذائف قبل أن تفطمها أمها. فارس عودة، الطفل الرجل الذي قذف الدبابة بحجر فردت عليه بقذيفة. محمد أبو خضير الذي اختطف وعذب بوحشية ثم أحرق، والقائمة طويلة وفي ازدياد.
ختاماً أقول، نصرك الله يا غزة. نصرك الله يا فلسطين وأعاد للعرب والمسلمين قبلتهم الأولى. نحن لن ننسى معاناتك يا فلسطين الحبيبة، يا قطعة من القلب ويا جزءاً لم ولن يتجزأ من بلاد العرب.