كلمتي ما تنزل الأرض !!
المرونة تعني في أبسط تعريفاتها هي : التكيف مع المتغيرات ، وقد نميل أحياناً إلى التكيف مع كل ما هو حاصل الآن ، رغم أنه وضع مؤقت وسيصبح ماضياً بعد حين ، وإنه لشيئ مهم أن تكون مرناً أمام الظروف الجديدة والمتجددة ، لأن التّزمُّت يحرمك من فرصة جديتك في رؤية واكتشاف احتمالات جديدة .
لكي تتمسك بدورك كطالب في مدرسة الحياة فأنت بحاجة إلى أن تزرع في داخلك قدرة الإنتقال بسهولة من " حالة المعرفة " إلى " حالة عدم المعرفة " والتي تتحول من خلالها من أستاذ إلى طالب مرة بعد أُخرى . بمعنى آخر : إنه بوسعك أن تتعلم درس المرونة عندما تكون قادراً على أن تسبح مع التيار الجديد بدلاً من أن تتشبث بإسلوبك الحالي ( مع الحفاظ على منظومتك القيميّة بالتأكيد ) .
وطالما أن الأمثلة والنماذج تتغير مع مُضي الوقت ، فلابد أنك تتغير أنت أيضاً . فمثلاً قد يحدث إحلال وتجديد في الجهاز ، أو المنظمة ، أو الشركة ، أو المؤسسة التي تعمل بها وعندئذٍ لا بد لك أن تتواصل مع هذا التغيير . وقد يحدث " لا قدّر الله " أن تطلب زوجتك الطلاق في حالة جنون طارئة ، وعندئذٍ لا بد أن تتعايش مع واقعك الجديد الذي لم يكن في الحسبان على الإطلاق . وسوف تستمر التكنولوجيا في التطور في كل طرفة عين ، ويجب عليك أن تستمر أنت أيضاً في التطور والتغيير والتكيف وإلاّ ستغامر بنفسك وستصبح مثل الديناصور الذي إندثر نتيجة لعدم تكيُّفه مع الظروف المحيطة به . وبناءً عليه ، فالمرونة مع الظروف تجعلك مستعداً للتجاوب مع كل منعطفات الحياة ومتغيراتها بدلاً من أن تصطدم بها وستكون النتيجة الحتمية قطعاً خسارتك الفادحة .
منذُ عام 1900 حتى عام 1967 م كان السويسريون هم روّاد صناعة الساعات في العالم ، وفي عام 1967 م سجّلوا براءة اختراع صناعة " الساعات الرقمية " ولكنهم نبذوها ورفضوها ، وفضلوا صناعة الساعات التي تعمل " بالتروس والبندول " واستمروا على ذلك لعشرات السنين ، ولكن للأسف كان العالم يستعد لتطوير هذا الفرع من فروع التكنولوجيا ، فقامت شركة " سيكو " اليابانية بتبني براءة الإختراع الرقمي ، وأصبحت رائدة صناعة الساعات الرقمية بين عشيّة وضحاها ، وحينها اضطر خمسون ألفاً من حوالي سبعة وستين ألفاً من مصنعي الساعات في سويسرا للتوقف عن العمل ، وذلك بسبب رفضهم تبني هذه التكنولوجيا الجديدة ، ولكن لم تكد تمر سنوات حتى وجدنا السويسريون يلحقون بالعالم ويستردِّون مكانتهم التي فقدوها نتيجة تزمُّتهم ورعونتهم ، وعدم مرونتهم ، وعادوا للسيطرة على السوق العالمية بصناعة ساعة " سوتش " .
فتعوّد – يا سيدي الفاضل – أن تكون مرناً ، لأن المرونة تجعلك أكثر قدرة على مجاوزة منعطفات الحياة ومتغيراتها بيسرٍ وسهولة . لأن الغاية الأساسية من حياتك هي البحث عن الحكمة التي هي " ضالة المؤمن " حيث تُعد أعلى مراتب المعرفة والبصيرة والفهم ، وتمُّدك بأعظم المفاهيم الأساسية في حياتك ، ويُعد اكتشافك لمنبع الحكمة بداخلك بمثابة الإنتقال من الظلمة إلى النور . ولا حكمة لمن لم يُدرك سحر المرونة . فهل أدركتها ؟ فإن لم تكن . فكفاك تأخراً يا عزيزي . تحياتي للجميع .