عندما نزعزع استقرارنا!

يحكم الكائنات على الأرض نظام، وترتبط مع بعضها بعلاقات مختلفة، منها أحادية المنفعة، أو متبادلة المنافع، وتعتمد حياة كل كائن على آخر. لا تستطيع الأغنام مثلاً العيش بدون أن تتغذى من المرعى وتستنشق الأكسجين الذي تطلقه النباتات الخضراء، والمراعي لا تزدهر إلا بروث الأغنام الذي يستخدم كسماد تتغذى عليه وثاني أكسيد الكربون الذي تطرحه الأغنام فتستخدمه النباتات في عملية البناء الضوئي. إذا ماتت الأغنام تأكلها الحيوانات اللاحمة والمتبقي منها يتحلل بفعل البكتيريا والجراثيم في التربة فتمتصه جذور النباتات.

وبالمثل، تتغذى الأسماك على نباتات وطحالب البحر والقشريات وتكون هي غذاء للأسماك الأكبر منها والطيور ويتغذى على الأخيرة الحيوانات اللاحمة بينما تتغذى النباتات على فضلات كل تلك المخلوقات وبقايا جثثها المتحللة. تتغذى الحشرات على الأعشاب وتتغذى القوارض على الحشرات والزواحف وتتغذى الحيوانات المفترسة على القوارض.. إلخ من السلاسل الغذائية التي درسناها في المرحلة الابتدائية لكن لم نستوعب أنه بوجود أي خلل في توازن تلك السلاسل ستختل المنظومة البيئية التي نعيش فيه ونعتمد عليه.

تأثرت الثروة السمكية بسبب الدفن الجائر للبحر والتعدي على أشجار القرم التي تعتبر مسكنها وغذاءها وتتكاثر القوارض بسبب تزايد هواية صيد الصقور والنسور والحيوانات البرية المفترسة التي تتغذى عليها. ولنذكر هنا حادثة التسميم الجماعية للنسور الهندية بعد تغذيها على الأبقار المحقونة بدواء لا تتحمله النسور فنفق 99 % منها مما تسبب في ازدياد عدد الكلاب الضالة حيث قدر عددها بسبعة ملايين كلب بين عامي 1992 - 2003م وبهذا الارتفاع ازدادت أعداد الإصابة بعضات الكلاب وانتشار مرض داء الكلب بالهند في السنوات الأخيرة حتى أصبح من أكثر الأمراض فتكاً وأدى ذلك لزيادة إنفاق الدولة لحل المشاكل الصحية وتأثرها اقتصادياً واجتماعيا.

ما شهدناه على مر التاريخ أنه متى ما استهدف الإنسان كائناً فعلى ذلك الكائن السلام. الفيلة، الغزلان، الحيوانات المفترسة، الطيور، حتى الحيتان في المحيطات لم تسلم من جور الإنسان الذي تتبعها بأساطيل لصيدها بدون اكتراث لقلة أعدادها. حتى الغابات التي هي أوطان أغلب الكائنات الحية بمختلف فصائلها، دمرناها لنتوسع عمرانياً أو لاستخدام أخشابها أو لصناعة الورق وغيره.

لقد استهدفنا الكثير من الكائنات الحية وأوصلناها للانقراض حتى بدأت أشك بأن انقراض الديناصورات كان سببه الإنسان. الفرق بيننا وبين الكائنات الحية الأخرى أنها تأخذ من الطبيعة ما يسد جوعها ويكفي حاجتها لكننا نأخذ لنعيش ولنتاجر ولنصبح أغنياء ولنتسلى أي إننا نأخذ بطمع وجشع وعدم إحساس بالمسؤولية.

كثيراً ما أشجع من حولي على اقتناء حيوان أو طائر أليف خصوصاً إذا كان بلا مأوى فالراحمون يرحمهم الله وطالما تمنيت الحصول على قرد صغير لتربيته وكنت أرى البعض يطلب قرداً صغيراً وينتظر حتى توفره له لكني تألمت عندما عرفت حقيقة أن الحصول على ذلك القرد الصغير لا يكون إلا بسلبه من أمه أو بقتلها وقتل العديد من القرود فجهل الصيادين في الكثير من تلك البلدان يجعلهم لا يتورعون عن فعل أي شيء في مقابل الحصول على بضعة دولارات.

لقد ساعد التنوع الحيوي على استقرار عالم الأحياء بأسره في إيقاع متناغم وفعال ولولا ذلك الاستقرار الذي وفر الظروف الملائمة لاستمرار جميع الكائنات الحية ومن ضمنها الإنسان لما استطاع أن يتطور ويتقدم في مختلف المجالات ولما وجدت الحضارات الإنسانية التي نعرفها لكننا نعيش الآن خطر تزعزع ذلك الاستقرار وما سيترتب عليه.

 

كاتبة صحفية