أترك أثرا ً قبل الغياب والرحيل «3»
المحور الثالث: السجايا الخُلقية للمرء:
1 - المبادرة بإلقاء التحية:
أولى الدين الإسلامي مسألة التحية وهي شعيرة من شعائر الإسلام إهتماما ً قل نظيره من بين الآداب الاجتماعية التي تتحدث عن أهميته وكيفيته، فالتحية الحسنة، تكاد تكون من أوثق العرى التي تربط المجتمع، حيث كان لها هذا النصيب الكبير من الاهتمام في الدين الإسلامي.
يقول تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً﴾ سورة النساء - آية 86 فقد وصف الله تعالى أهل الجنة بأنهم يحيون بعضهم بالسلام المتعارف بيننا يقول عز وجل: ﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَاخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ سورة يونس - آية 10، ويقول في موضع آخر: ﴿وَأُدْخِلَ الَّذِينَ امَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ﴾ سورة إبراهيم - آية 23
الصيغة الإسلامية للتحية «السلام»:
إن أصحاب النبي إذا أتوه قالوا له: أنعم صباحًا أو أنعم مساء، وهي تحية أهل الجاهلية، فأنزل الله تعالى: «وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ» «سورة المجادلة - آية 8»، فقال لهم رسول الله : «قد أبدلنا الله بخير من ذلك» تحية أهل الجنة، «السلام عليكم».
ولقد أدبنا الرسول الأكرم وأهل البيت على رد السلام بلسان طيب، وأفضل الردود قول الإنسان: ”وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته“، وينقل لنا سلمان المحمدي رضي الله عنه، قصة لطيفة حدثت على عهد الرسول الأكرم فيقول: جاء رجل إلى النبي فقال: ”السلام عليك يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:“ وعليك ورحمة الله ”، ثم أتى اخر فقال:“ السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله ”، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:“ وعليك ورحمة الله وبركاته ”، ثم جاء اخر فقال السلام“ عليك ورحمة الله وبركاته ”، فقال صلى الله عليه وآله وسلم له:“ وعليك ”، فقال له الرجل يا نبي الله بأبي أنت وأمي أتاك فلان وفلان فسلما عليك فرددت عليهما أكثر مما رددت علي؟! فقال صلى الله عليه وآله وسلم:“ إنك لم تدع لنا شيئاً، قال الله ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ فرددناها عليك"
فضل إفشاء السلام والبدء به: -
لما للإبتداء بالسلام من أهمية، جعل الله تعالى الحافز لدى المؤمنين لإفشاء السلام فيما بينهم، الفضل الأكبر من الحسنات للمبتدئ بالسلام، وإن إفشاء السلام من المستحبات المؤكدة عليها، فعن السكوني، عن أبي عبد الله قال: «قال رسول الله : السلام تطوع والرد فريضة»، وعن أبي جعفر قال: «إن الله عزوجل يحب إفشاء السلام»، وعن عن أمير المؤمنين عن رسول الله : ”السلام سبعون حسنة، تسعة وستون للمبتدي وواحدة للراد“ وقال أبو عبد الله : من قال سلام عليكم ورحمة الله، فهي عشرون حسنة.
آثار البدء بالسلام على المرء والمجتمع: فقد حث الإسلام على إفشاء السلام، وأوصى المؤمنين بعدم ترك السلام فيما بينهم لأثرها البالغ: -
1 - الإتصاف بسجية حسنة وبصفة النبي والأسوة به، بحيث كان يبدء ويبادر بالسلام.
2 - نزول الخير والبركة، فعن النبي «أفش السلام يكثر خير بيتك»، وعن النبي : ”سلّم على من لقيت يزد الله في حسناتك“».
3 - دليل خُلق المرء العالي، فعن الرسول الأكرم : ”ألا أخبركم بخير أخلاق أهل الدنيا والآخرة؟ قالوا بلى يا رسول الله، فقال إفشاء السلام في العالم“
4 - إفلاس المرء أخلاقيا ً، فعن النبي قال: أبخل الناس من بخل بالسلام، وقال علي: أبخل الناس رجل يمر بمسلم فلا يسلم عليه،. وعن أبي عبد الله قال: «إن الله عزوجل قال: إن البخيل من يبخل بالسلام».
5 - تواضع المرء، قال أبو عبد الله : من التواضع أن تسلم على من لقيت».
6 - محبة الناس وإجتناب العداوة والبغضاء قال رسول الله : إذا قام أحدكم من مجلسه فليودعهم بالسلام، وقال : أفشوا السلام تسلموا».
7 - محبة الله عزوجل ووجوب مغفرته، قال علي : إن من موجبات المغفرة بذل السلام وحسن الكلام.
8 - العمل بسنة الملائكة عن الإمام الباقر قال رسول الله : «إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه وليصافحه، فإن الله عز وجل أكرم بذلك الملائكة فاصنعوا صنع الملائكة"»
9 - القضاء على الطبقية في المجتمع والمواساة في السلام على الفقير قبل الغني، عن الإمام الرض : " من لقى فقيرا مسلما فسلم عليه خلاف سلامه على الغني لقى الله عز وجل يوم القيامة وهو عليه غضبان.
متى يكون السلام؟ 1 - السلام قبل الكلام: إن للسلام أفضلية على سائر الكلام ولذا أكدت الكثير من الروايات عن أن يبتدى الإنسان بالسلام قبل أي كلام آخر، ففي الرواية عن الإمام الصادق : ”السلام قبل الكلام“»، بل أن خاتم الأنبياء نهى عن إجابة من بدأ بالكلام قبل سلامه، عن رسول الله الأكرم : ”من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه“
2 - السلام عند دخول البيوت: أن إستحباب السلام مؤكدً عند دخول البيت وهو من الآداب الاجتماعية التي يعاب تاركها، وقد أكد عليها الله تعالى حيث يقول عز من قائل: ﴿إِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْاياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ سورة النور - آية 61. وللسلام عند دخول البيت له أثر معنوي خاص، ففي الرواية عن رسول الله : ”إذا دخل أحدكم بيته فليسلم، فإنه ينزله البركة، وتؤنسه الملائكة“.
مواضع السلام: - لقد ذكرت الأحاديث الشريفة لنا مواضع يحسن فيها البدء بالسلام من قوم دون آخرين، وفي حالة دون حالة، ويجمع هذه الآداب جميعاً حديث مروي عن الرسول الأكرم : ”يسلم الصغير على الكبير، ويسلم الواحد على الاثنين، ويسلم القليل على الكثير، ويسلم الراكب على الماشي، ويسلم المار على القائم، ويسلم القائم على القاعد“ أحمد بن مكي الجصاص