الدراما الرمضانية على شاشاتنا العربية
الكتابة عن الفن تحليق عالٍ نحو سماوات الإبداع وفضاءات البهجة، وغوص غائر في أعماق المشاعر ومداءات الوعي، الفن صناعة البشر المتحضر وشرفة الدهشة والتطور.
والفنون بمختلف أشكالها وألوانها ومستوياتها، كالمسرح والموسيقى والنحت والرسم والتمثيل والزخارف والخطوط وغيرها، ليست مجرد رغبة ترفية أو كمالية أو تجميلية، رغم أهمية كل ذلك، ولكنها أكثر وأعمق وأهم من ذلك، فهي ثقافة وقيمة وحضارة.
وفي شهر رمضان الكريم، موعد الرحمة والمغفرة والتقوى وروزنامة البهجة والأنس والسلوى، تزدحم الصلوات والدعوات وتتسابق الحكايات والذكريات، شهر رمضان الفضيل، أنشودة عشق ودعوة صدق.
هذه المقدمة الاحتفائية بشهر رمضان المبارك، هي المشهد الأول من هذا المقال الذي سيتناول بشيء من الإيجاز والمباشرة واقع الدراما الرمضانية على شاشاتنا العربية.
لقد تحوّل شهر رمضان الفضيل إلى بازار كبير تُعرض فيه الأعمال الفنية الهابطة والمبتذلة، بل وأصبحت ”فترة ذروة“ مزدحمة بكل ما تنتجه المؤسسات والبيوت الفنية والإعلامية من تهريج وإسفاف.
نعم، لم تكن البرامج والأعمال الفنية والدرامية الرمضانية لهذا العام بذاك الزخم والكم الكبير بسبب جائحة كورونا، ولكنها لم تتغير من حيث الجودة والقيمة والحرفية، فضلاً عن الدهشة والمتعة والإبهار، فقد احتل مسلسل التهريج والإسفاف الرمضاني المركز الأول في روزنامة رمضان.
وهنا يبقى السؤال الذي يتردد في كل رمضان: من المسؤول عن هذا ”الهبوط الكبير“ في مستوى الأعمال الفنية التي تُعرض في شهر رمضان؟ الأسباب كثيرة وكبيرة، وتحتاج إلى فضاءات أرحب ومساحات أوسع، ولكنني سأختصرها وأختزلها في خمسة أسباب رئيسة، وسأضعها على شكل عناوين كبرى:
الإعلام بمختلف أشكاله ووسائله ووسائطه وشبكاته وقنواته هو أحد أهم أسباب ذلك الانحدار والضعف في مستوى الأعمال الرمضانية، وكذلك غياب البيئة والبنية الفنية وهي المعاهد والمراكز والمؤسسات والتخصصات الأكاديمية والتأهيلية الفنية في أغلب الدول العربية، وأيضاً عدم وجود صنّاع للفن والدراما يؤمنون بقيمة وخطورة وتأثير ما يُقدم من إنتاج فني ودرامي على فكر وذائقة ووعي المشاهد العربي، كذلك لا وجود للفن في خطط واستراتيجيات أغلب الدول العربية باعتباره قوة ناعمة مهمة وصناعة اقتصادية مربحة، أيضاً ندرة المشاهد العربي الذي يحمل وعياً فنياً قادراً على نقد وفرز الأعمال الفنية والدرامية.
الفن كلغة إنسانية سامية وقيمة حضارية ملهمة، هو أحد أروع مصادر التنمية الوطنية.