لا يا عزيزي الفاضل
نعم بالتأكيد " لا مشكلة " أن تخرج تلك الكلمات من فمك قبل أن تتبين حقيقة الوعد الذي قطعته على نفسك ، حيث تُدرك بعد فوات الأوان أنك لا تريد ، أو ليس لديك الوقت الكافي لتنفيذ ما وعدت بتنفيذه . فلا أنت تريد الذهاب للتسوق برفقة صديقك الذي طلب منك مرافقته ، وليس لديك وقت لتحمُّل أعمال إضافية على تلك التي بين يديك ، وقد تتعجب من نفسك كيف تورطت وتحمَّلت مسؤولية كل ذلك !! وتتساءل في ذهول كيف حدث ذلك معي مراراً وتكراراً ؟ وإذا كنت تتعجب فإن الأمر يستحق منك التعجب فعلاً .
تذكر عندما كنت تبلغ عامين من العمر كيف أنك لم تكن تجد صعوبة في الصراخ بأعلى صوتك قائلاً " لا " ، ولكن تم تدريبك على نسيان تلك الكلمة شيئاً فشيئاً : فكلما
أكثرت من كلمة " لا " ازداد غضب والديك ، كما قال لك معلمك إن كلمة " لا " غير مقبولة ، وإذا قلت " لا " عندما صرت أكبر سناً ، كنت تخشى أن تفقد حب وتقدير أحد والديك أو أصدقائك أو رئيسك في العمل . لا شك أن بعض تلك المخاوف قد صاحبتك في حياتك ، وما زالت تحدد إتجاهاتك في مسألة الرفض والقبول .
إذن الكلمة التي كنت ترددها دون أدنى تردد عندما كنت طفلاً ، أصبح التلفظ بها الآن في عديد من المواقف اليومية صعباً للغاية ، إن لم يكن مستحيلاً ، فقد تم برمجة معظم الناس على الإعتقاد بأن كلمة " لا " تمثل رد فعل عنيفاً ، والحقيقة هي العكس لأن الضرر الذي يترتب على قولك " نعم " دون تروٍّ يؤثر عليك بدرجة أكبر بكثير من تأثير رفضك على هؤلاء الذين تقول لهم " لا " .
يصف الكثيرون تلك الأوقات التي وافقوا فيها على فعل شيئ ما بأنها كانت لحظات ضعف بقولهم :
• لقد كنت أمر بيوم سيئ .
• لم تكن حالتي المزاجية معتدلة .
• كنت أشعر بالضيق آنذاك .
• لم أكن في يوم حظي الموعود .
• لقد إنتابني الحرج ولم يكن أمامي إلاَّ أن أوافق .
• هذه هي المرة الأولى التي يلجأ إليَّ فيها لمساعدته .
• لقد ضغطوا عليَّ بشكل أفقدني القدرة على قول ما أريد .
• إنه كان مهذباً معي للغاية وخجلت من رفض طلبه .
• يصعب علي غضبه مني لو لم أتجاوب معه .
وإلى آخر تلك القائمة الطويلة الماكرة من الأعذار والمبررات ، كيف يحدث ذلك ؟ ربما تكون – يا عزيزي – أنك " معطاء بالفطرة " ، فأنت تمد يد العون والمساعدة للآخرين طوال حياتك ، حيث تساعد " الأخَّاذين " الذين يجدون متعة في كونهم الطرف الذي يأخذ دائماً ولا يعطي شيئاً . لقد إعتاد الأخّاذون على أن يتوقعوا منك العناية بأمرهم دوماً ولو كان ذلك على حساب صحتك وسعادتك وسمعتك !!
ثمة سببٌ آخر للإسراف في قول " نعم " يتمثل في عدم القدرة على التفكير بوضوح فيما يُطلب منك . إن ما يمنعك من قول " لا " يكمن عادة تحت سطح الطلب الموجه لك صراحة ، مثل شعورك بوجود تحدٍ ضمني ، أو كلمة تجعلك تشعر بالذنب إذا رفضت ، أو خوفك من إيذاء أو إحباط السائل ، أو خوفك من نفوذه أو سلطانه عليك ، وهناك أيضاً المنطقة الرمادية المليئة بتلك الأشياء التي ليس لديك رأي قاطع بشأنها ، وفي تلك المنطقة الرمادية تكون مذبذباً وغير حاسم . إن الطلبات غير المتوقعة تجعلك غارقاً في المنطقة الرمادية . وإذا لم تتوقف لفترة كافية لتحليل كل موقف ، فسوف تكون إمّعة على الدوام . وتنقم على نفسك طيلة الوقت ، كما تجد نفسك ناقماً على الشخص الذي لا تستطيع قول " لا " له لسبب أو لآخر .
ربما تكون أنت نفسك من نوعية الأشخاص الذين يستجيبون للضغط والإبتزاز العاطفي قبل أن تفكر في قول " لا " ، وتظل توافق الآخرين مراراً وتكراراً حتى يفيض بك الكيل ، عندئذٍ تنطلق منك كلمة " لا " كالرصاصة ، وبشكل غير لطيف على الإطلاق ، مما يؤدي إلى إفساد علاقتك بهم ، وحتى لو لم تفسد العلاقة ، فإن نطقك بهذه الكلمة على هذا النحو " البغيض " قد يجعلك تشعر بالضيق من نفسك ، لأنك كنت غير مهذب ، أو أنك كنت تبدو وكأنك لا تبالي بشعور الآخرين .
تأكد يا عزيزي أنه عندما تقطع على نفسك الوعود ، فستنتابك الشكوك ، بل وقد تشعر بعدم الأمان إذا وافقت على شيئ يفوق قدراتك وإمكانياتك ، أو يتصادم مع منظمة قيمك الداخلية ، وعندئذٍ ستلح عليك أسئلة كثيرة ، مثل : كيف ستتنصل مما وعدت به ؟ ما الأعذار الحقيقية التي في جعبتك ؟ . إن الخروج مما ورطت نفسك فيه عملية مُعقدة . فكر فيما سببته لنفسك : ألمٌ نفسي مبرح ، وربما خداع الآخرين ، وما إلى ذلك من المشاعر السلبية التي كان من الممكن تجنبها بيسر وسهولة بقول " لا " صراحة دون الشعور بالذنب أو بالتقصير .
بالنسبة لكثير من الناس ، فإن قول " نعم " قد يكون مجرد عادة يودون – بل ويستطيعون – التخلص منها ، إذا ما بدأت مراقبة الأوقات التي يوافقون فيها على ما يطلبه الآخرون منهم . وسوف يستشعرون حجم المشكلة ، والتكلفة الفائقة الناجمة عن قولهم " نعم " وسيبادرون إلى قول " لا " بصورة أكثر .
كم مرة تمنيت – عزيزي الفاضل – لو أنك استطعت من قول " لا " لشخص يطلب وقتك أو موهبتك أو جهدك أو عضلاتك أو أموالك أو أفكارك أو تأييدك أو مجرد وجودك ؟ إن العقل والجسم يستطيعان تحمل قدر معين من الضغوط ، والعمل لصالح الآخرين دون توقف يؤثر بالسلب على صحتك ، ويفقدك الإحساس بالسلام ، فإذا وجدت نفسك في مواقف تقوم فيها بعمل أشياء لا تريد القيام بها ، فقد حان الوقت لإيجاد طريقة تجعل حياتك أكثر سهولة وإمتاعاً ، وربما تكون لمسة من العدوانية الناعمة هي الأداة الوحيدة التي تحتاج إليها ، وقد تستصعب القيام بذلك ، ولكنك لن تستطيع تأكيد ذاتك أو التعبير عن رغباتك إذا لم تعرفها أصلاً . أليس كذلك ؟ تحياتي .