رسكلة أمي!
عندما قلت كمية البصل في الأسواق وأخذ المتسوقون يتسابقون على شرائه، كانت أمي - حفظها الله - تقطف البصل المزروع في حديقة المنزل. وعندما شح البيض في الأسواق كانت أمي تجلب لنا بيض الدجاج من الحظيرة.
تحيط بمنزلنا حديقة تغطي أشجارها وأزهارها جميع جدرانه. وقد حولت أمي ارتداد المنزل الخلفي لقفص كبير للطيور تحتفظ في زاوية منه ببرميل كبير تضع فيه بقايا الطعام وتغطيها جيداً كي تتحول مع الوقت والحرارة لسماد تستخدمه في تغذية الحديقة. تعيد أمي استخدام كل ما نعتقد أن لا فائدة منه.
فالعلب الصغيرة وقطع القماش تتحول لديكور فاخر، والجرار والأطباق أعشاش وبيوت للعصافير، الحاويات بعد صبغها وتزيينها تستخدمها لزراعة مختلف النباتات، الحبال، الأخشاب والأسلاك تتحول لمراجيح جميلة للعصافير معلقة في قفصها الكبير. حتى إنها استخدمت حذاء للمطر لزراعة بعض الأزهار وحولته لتحفة فنية رائعة. تعيد أمي تدوير كل شيء، حتى بذور التمر تصنع منها قهوة بعد تحميصها وطحنها وتنتج بهارات من قشور الرمان.
لقد ربتني هذه الأم الرائعة على التفكير كثيراً قبل التخلص من أي شيء وكيفية التخلص منه إذا تأكدت أني لست بحاجته. كنت دائما ما أضع النفايات مع بعضها حسب نوعها وكم أبهجني رؤية حاويات النفايات المختلفة الألوان موزعة في بعض المدن، فالأزرق للمخلفات الورقية، والأصفر للمعدنية والأخضر للزجاج والأحمر للمخلفات البلاستيكية، بينما اعتمدت مدن أخرى حاويتين واحدة للمخلفات العضوية وأخرى للورق والمعادن والبلاستيك. كنت أرسل سائقي للتخلص من النفايات في تلك الحاويات على حسب نوعها وكثيراً ما كان يتذمر! للأسف لا يفهم مثله أهمية ذلك إلا إذا كان هنالك مقابل مادي! لذلك ينبش الكثير من العمال حاويات القمامة بحثاً عن بعض المواد لبيعها لبعض الشركات للرسكلة.
لو لم تكن الرسكلة مجدية لما قامت شركة أبل بعرض استبدال الهاتف الخليوي القديم بهاتف جديد وبدفع الفرق فقط وبذلك ضربت عدة عصافير بحجر واحد، أصبحت صديقة للبيئة، اكتسبت سمعة جيدة، استعادت المواد الآكثر أهمية لإعادة استخدامها في إنتاج الهواتف وأخيرا والأهم وفرت ثروة من الأموال.
الرسكلة «recycling» أو تدوير النفايات هي استخدام المخلفات والاستفادة منها إما بطريقة جديدة أو بإنتاج مواد جديدة منها مختلفة عن المواد الأولية. من أهداف رؤية 2030 التحول لاستخدام الطاقة الخضراء النظيفة والتي من مصادرها الرياح، الشمس، الحرارة والطاقة الناتجة عن رسكلة النفايات، وقد بدأت المملكة مؤخراً الاهتمام بالرسكلة ولذلك أصبحنا نحتاج لزيادة وعي الفرد والمجتمع بخصوص تدوير النفايات سواء الصناعية أو العضوية ونحتاج للبدء بذلك من منازلنا.
من فوائد الرسكلة تقليص النفايات وتقليل التلوث مما يقلل من الاحتباس الحراري، الحفاظ على البيئة، حماية الموارد الطبيعية من الاستنزاف، خلق فرص عمل جديدة، قلة الاعتماد على المواد الأولية المستخرجة من الطبيعة، تخفيف التكاليف على المستثمرين لأنّ أسعار المواد الناتجة عن الرسكلة تكون أقل من أسعار المواد الأولية المستخرجة من الطبيعة، ناهيك عن التخلص من الشكل القبيح لأطنان من النفايات والروائح الكريهة!
سنستمر في إكمال خطتنا طويلة المدى والتي ربما سبقني وكتب عن هذه الأفكار منفردة الكثير، لكن ما دفعني لجمعها وتسليط الضوء عليها الآن بالتحديد هو ما شهدناه من توقف جزئي للحياة ومستقبل غامض جعلنا نشعر بضرورة إيجاد مشاريع لهذه الأفكار في أقرب فرصة ممكنة وأن نتفهم أهمية أن نبدأ من منازلنا كما تفعل أمي.