الوباء.. باطن الرحمة الإلهية
في ظل هذا الوباء العالمي الذي نعيشه، والذي يعم العالم والأمم عامة، وهو صورة من صور البلاء والعذاب الإلهي، علينا أن نتسائل عن ذلك الذنب العالمي والمشترك الذي تسبب في هذا الغضب الإلهي، لكي نستغفر ونتوب من ذلك الذنب. فكيف لنا أن نتوب من ذنب ونستغفر منه إذا لم نعرفه.
البلاء.. توبة من الله
إن البلاء وإن كان في ظاهره العذاب الإلهي، فإن باطنه الرحمة الإلهية. فالبلاء يعتبر باب من أبواب الرحمة الإلهية، يفتحه الله عز وجل للناس كي يدفعهم الى اللجوء والتضرع إليه والتوبة والخشوع ببابه، والمسكنة بساحته، فيتوب عليهم ويدخلهم في سعة رحمته، ويصرف عنهم غضبه وسخطه.
فظاهر الوباء هو البلاء والعذاب، وباطنه الرحمة والعفو الإلهي. فما مقدار البلاء في الدنيا، إذا كان نتيجته صرف العذاب والسخط الإلهي في الآخرة. فعندما نقيس البلاء في الدنيا الذي هو قصير وزائل، ببلاء الآخرة العظيم الدائم. فإن بلاءات الدنيا تعتبر عين الرحمة والفيض الإلهي، إذا كانت سبباً في دفع بلاء الآخرة، وإذا كانت سبباً لتوبة العبد وهدايته للصراط المستقيم، واستقامته.
لذلك علينا أن نكون شاكرين للخالق على هذا البلاء لأنه يدعونا إلى بابه، فنتوجه إلى ذكره، والخضوع له، وإدامة حمده. إننا لا نستحق تلك الرحمة الإلهية والعطف والدعوة للقرب بما قدمته أيدينا، ولتقصيرنا في شكر نعمته، وسابغ فضلة، فنحن محض التقصير والغفلة عنه، والسهو والبعد عن حق شكره وحمده. فالرحمة الإلهية هي بفيضه وجوده ليتوب علينا.
التوبة لا تكون إلا بمعرفة الذنب
وحتى نتوب إليه ونتذلل إليه لننال فيض رحمته وعفوه، لابد وأن نعرف الذنب الذي اقترفناه، والذي كان سبباً في نزول البلاء، ونستغفر منه، ونغير من واقعنا الذي سبب الغضب الإلهي. فإننا إن لم نتب من الذنب، فإنه سوف يسطلمنا بلاء الدنيا، وربما عذاب الآخرة. ومثال ذلك البلاء الذي نزل بقوم النبي يونس ، فتوبتهم وخشوعهم وإيمانهم بالله، كان سبباً لرفع البلاء وللرحمة الإلهية في الدنيا والآخرة. بعكس كثير من الأقوام الذين لم يبالوا بالبلاء، ولم يتوبوا كقوم عاد وثمود، فنزل بهم البلاء، وخسروا الدنيا والآخرة «فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ».
وكما أن هناك ذنوب فردية على مستوى الإنسان، فإن هناك ذنوب عامة على مستوى الأمم. وكما أن هناك بلاء وعقاب على مستوى الفرد، فهناك بلاء وعقاب على مستوى الأمم والشعوب، يكون اكثر شمولية وعموم. ومثال ذلك البلاءات التي أصابة الأمم السابقة. ومن الظاهر أن هذا البلاء «كورونا» هو بلاء عام على مستوى الأمم جمعاء، وعلى مستوى العالم. وذلك يعني أن التقصير والذنب الذي تسبب في نزول البلاء هو ذنب عام على مستوى العالم، ولذلك كان الغضب والبلاء الإلهي عام على مستوى العالم. فما هو ذلك الذنب العالمي والمشترك الذي قامت به البشرية لتنال هذا العقاب والابتلاء، بغض النظر عن أسبابه المادية «قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا».
خذلان الإمام
كما إن الرسالة المحمدية هي آخر الرسالات السماوية، وهي رسالة عالمية لكل البشر، لذلك فالرسول الاعظم هو رسول لكل البشرية، آمنت به أو كذبته كما كُذب الرسل من قبله. وكذلك فإن خليفة الرسول الأعظم في الزمن الحالي، هو خليفة وإمام على كل العالم، عليهم معرفته وتصديقه ونصرته، وهو الإمام المهدي . فهو إمام الزمان سيان آمنوا به، أو أنكروه وكذبوه وخذلوه.
إن الذنب العالمي المشترك هو التقصير في معرفة هذا الإمام والتقصير في نصرته وخدمته وولائه حق الولاية. إن قوم ثمود لم ينزل بهم البلاء عندما لم يؤمنوا بالله فقط، ولكن نزل بهم العذاب عندما عقروا الناقة. إن الذين عقروا الناقة التي كانت مظهر من مظاهر الرحمة الإلهية هم تسعة رهط فقط، ولكن تسببوا في نزول البلاء الذي عم قومهم جميعاً. كذلك في الزمن الحاضر عندما يقتل شخص كان من الداعين لله وفي نصرة الإمام جهارا نهارا، فهذا قد يكون سبباً لنزول البلاء على العالم، لتقصير العالم في نصرة وتأييد الإمام من جهة، ولقتل أحد المخلصين من أعوانه وأوليائه.
لذلك فإن التوبة الحقيقية من الذنب هو بمعرفة الإمام المهدي عج الله فرجه الشريف، والعمل والجهاد في سبيله. فعلينا أن نستشعر التقصير والذنب الذي نحن نعيشه كي يكون البلاء سبباً لرفع الغضب الإلهي. نحن قد نكون مقصرين في نصرة الإمام، وغافلين عن واجباتنا نحوه، مما قد يسبب الغضب والسخط الإلهي، وهذا مالا تحمله السماوات والارض. وإذا علمنا أن ظاهر هذا الوباء هو البلاء، وباطنه الرحمة وتهيئة العالم للظهور المقدس. لذلك على المؤمنين أن يستبشروا خيرا، لأن في البلاء تهيئة الأرواح للجوء إلى الله عز وجل والتضرع إليه، فيمنّ عليهم برحمته الواسعة، ويعجل في ظهور وليه لهم وعدا غير مكذوب.
«إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا «6» وَنَرَاهُ قَرِيبًا»