المؤمنون وفايروس كورونا «2»
المؤمن يدرك أنه غير محصّن ضد الفايروسات وأمثالها، وأنه قد يُصاب بها كما يُصاب غير المؤمن. وبالتالي فإن عليه أن يتوقى منها ويأخذ بالاحتياطات الاحترازية المناسبة حفاظا على نفسه وغيره. هذا شيء يشترك فيه المؤمن وغير المؤمن.
أما ما يفترقان فيه، فنذكر بعضه:
أولا: إن المؤمن ينظر لما يصيبه منها على أنه بلاء حلّ به، وأن عليه اجتيازه بنجاح. فقد دلّته الآيات والروايات على أنه في معرض الابتلاء، كما قال تعالى: «لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ» وقوله: «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ». وفي الرواية عن الإمام الصادق قال: إن في الجنة منزلة لا يبلغها عبد إلا بالابتلاء في جسده. وعنه أيضا قال: قال رسول الله : إن عظيم البلاء يكافأ به عظيم الجزاء، فإذا أحب الله عبدا ابتلاه الله بعظيم البلاء، فمن رضي فله عند الله الرضا، ومن سخط البلا فله عند الله السخط. والروايات كثيرة في المقام.
وثانيا: إنه يدرك أن عليه أن يقابل البلاء بالصبر، كما يقابل النعم بالشكر، حتى ينال ما عند الله من أجر الصابرين العظيم «إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ». بل إنه قد يترقى في مواجهة البلاء لمرتبة عليا، فيحمد الله على مصابه مرددا: اللهم لك الحمد حمدَ الشاكرين لك على مصابهم. أو يدعو قائلا: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا لَمْ أَزَلْ أَتَصَرَّفُ فِيه مِنْ سَلَامَةِ بَدَنِي، ولَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا أَحْدَثْتَ بِي مِنْ عِلَّةٍ فِي جَسَدِي. فَمَا أَدْرِي، يَا إِلَهِي، أَيُّ الْحَالَيْنِ أَحَقُّ بِالشُّكْرِ لَكَ، وأَيُّ الْوَقْتَيْنِ أَوْلَى بِالْحَمْدِ لَكَ.
وثالثا: البلاء يدعو المؤمن إلى مزيد من التقرب لله تعالى والتضرع إليه، لأنه يشعر من جهة بضعفه هو، وبالقدرة المطلقة لربه من جهة أخرى، وأنه وحده القادر على كشف السوء: «وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».
ورابعا: المؤمن يأخذ بأسباب التداوي كما يأخذ بها غيره، ولا يهمل هذا الأمر، ففي الرواية عن الإمام الباقر عن جابر قال: قيل يا رسول الله أنتداوى؟ قال: نعم، فتداووا فإن الله تبارك وتعالى لم ينزل داء إلا وقد أنزل له دواء. وهذه الرواية ينبغي أن تحرك همم المؤمنين للمساهمة في الاكتشافات العلمية العلاجية لكل الأمراض، فليس هناك بحسبها مرض لا دواء له.
وفوق ذلك يعتقد المؤمن أن الشافي الحقيقي هو الله تعالى بما خلق من الدواء، ووفق حكمته التي يريدها، والتي لا تبدلها الوسائل: «وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ». وهذا الاعتقاد يجعل المؤمن، وهو يتداوى بالأدوية، متعلقا بما هو أعظم منها، وهو رب الدواء والشفاء.
وخامسا: المؤمن لا ينسى في زحمة الأسباب المادية الأسباب المعنوية، والتي من أهمها الصلاة والدعاء: قال تعالى: «إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً. إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً. وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً. إِلاَّ الْمُصَلِّينَ» وقال جلّ شأنه: «وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ» وقال: «قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ». وهذه الأسباب تشكّل لديه مناعة نفسية قوية تساعده على عبور محنته بثبات.