المؤمنون وفايروس كورونا «1»
ما يُلاحَظ من إصرار بعض «المتدينين» على استبعاد الأسباب المادية تماما، في التعامل مع الجائحة المتمثلة فيما يعرف بفايروس كورونا، التي تحتاج العالم اليوم، وتهدد صحة الناس واقتصادهم واجتماعهم وحياتهم؛ يكشف عن قراءة مغلوطة لمنظومة الدين ومفاهيمه وتوجيهاته.
المسألة لا تتعلق بهذا الفايروس وحده، بل هي أوسع من ذلك بكثير، إذ تعبر عن خلل صارخ في بنية التفكير مع قضايا الحياة المختلفة لدى هؤلاء، مما يجعلهم بعيدين عن التعاطي الواقعي مع ما يدور حولهم «وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً».
لننطلق من قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ» ونرى ماذا فهم منها المخاطَبون بها، وكذلك المفسرون من بعدهم. فهل فهم منها أولئك سقوط مسؤوليتهم في الدفاع عن أنفسهم، وأن الله وحده يتولى الدفاع عنهم، دون أن يحركوا ساكنا؟ هل اتخذوا الموقف السلبي الذي اتخذه غيرهم «فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ»؟ أم إنهم استوعبوا الخطاب الإلهي كما ينبغي له أن يُستوعب، فأعدوا لعدوهم ما استطاعوا من قوة، وأهّلوا أنفسهم ليكونوا موضعا لنصر الله، فكان لهم ما أرادوا بإذن الله «وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ»؟.
إن من يقرأ الآيات التالية لآية الدفاع هذه والتي تشتمل على إذن للمؤمنين بالقتال ووعد لهم بالنصر، ثم الإتيان بقاعدة التدافع الاجتماعي وكونها أساسا لبقاء مؤسسات الصلاح «وَلَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً» يخرج بنتيجة لا يخالطها شك أن الدفاع الإلهي لا يقع اعتباطا، وإنما له أسبابه التي ينبغي أن يتصدى لتحقيقها المؤمنون على أرض الواقع في أنفسهم وفي الخارج، من الإيمان والصبر واستكمال العُدّة الممكنة: «إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ» «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ».
تساءل صاحب التفسير الكاشف في ذيل آية الدفاع قائلا: تدل هذه الآية ان اللّه سبحانه يمنع في هذه الحياة الكفرة والطغاة عن المؤمنين باللّه واليوم الآخر، وأوضح منها في الدلالة قوله تعالى: «إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ» مع أن اللّه سبحانه قد نص في العديد من آياته أن اليهود كانوا يقتلون الأنبياء بغير حق، منها الآية 21 و112 و181 من سورة آل عمران، والآية 154 من سورة النساء، بالإضافة الى أن تاريخ البشرية القديم والحديث مفعم بالمظالم والاعتداءات على المتقين والمخلصين.. فما هو وجه الجمع بين الآيات الدالة على أن اللّه ينصر أهل الحق والآيات التي أخبرت عن قتل الأنبياء؟
وأجاب على ذلك بجوابين هما:
أولا: إن آيات النصر تدل بسياقها على أنها خاصة ببعض الأنبياء دون بعض، كنوح وهود وصالح ولوط ومحمد .
ثانيا: إن المحق المخلص لا يخلو من ناصر ينصره بيده أو ماله أو لسانه... أجل، إن كثيرا من المحقين قتلوا وأسروا وشردوا، ولكن اللّه عز وجل قد أتاح لهم أنصارا يعلنون ظلامتهم، ويشيدون بعظمتهم، ويدينون أعداءهم بحجج دامغة، وأدلة قاطعة، وهذا مظهر من مظاهر النصر.
وأضاف صاحب تفسير منية الطالبين جوابين آخرين هما:
الأول: وهو أنّه سبحانه قد نصر الأنبياء بإبادة أعدائهم وإهلاكهم ومحو ذكرهم بوجوه مختلفة، قال سبحانه: «فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُون»
الثاني: هو أنّ الانتصار على قسمين: انتصار مادي، وهذا لم يتحقّق للأنبياء جميعاً، وانتصار معنوي، وهو سيادة المبادئ في المجتمع ولو بعد زمن طويل.