آيات لكل صبّار شكور «1»
خُتمت أربع آيات في القرآن الكريم بقوله تعالى: «إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ» مع ما في هذه الخاتمة البديعة من إشارة بليغة مؤكدة في قوله «إِنَّ فِي ذلِكَ» لبعض ما يحتويه المشار إليه من آيات نافعة صالحة «لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ».
الآية الأولى قوله تعالى: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ». وهي تؤكد أن في التذكير بأيام الله، التي هي أيام خاصة يتجلى فيها أمر الله تجليا خاصا لا يبقى معه لغيره ظهور، دلائل وعلامات واضحة بينة لكل كثير الصبر على المصائب والمصاعب، وعلى الطاعة وعن المعصية؛ كثير الشكر على النعم الإلهية المحيطة بالإنسان في كل لحظة من وجوده.
وتعريف الأيام بأنها أيام الله، مع كون كل الأيام له تعالى، لما في هذه الأيام من كشف وبروز لا يخفى على أحد من قدرة الله المطلقة سواء في إفاضة النعمة أو إنزال النقمة. فهذه الأيام تشمل مثلا أيام إنجاء بني إسرائيل «مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ. مِنْ فِرْعَوْنَ» كما تشمل أيام إهلاك عدوهم وإغراقه في اليم.
فهذه الآية تنبه على ضرورة التعرف على أيام الله واستحضارها بشكل دائم في ذاكرة الفرد والأمة، واستلهام دروسها التي تعين على مداومة الصبر والشكر.
الآية الثانية: «أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ». وفيها حديث عن نعمة عظيمة تحتوي آيات باهرة قد يغفل عنها الإنسان بسبب اعتيادها، فلا يفكر فيمن خلق الألواح بخصائص معينة وسخّر البحر وفق أنظمة تكوينية دقيقة وألهم الإنسان صنع الفلك مستفيدا من كل ذلك ليحمل فيها البشر وغير البشر.
الآية الثالثة: «فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ». وفيها حديث عن قوم سبأ الذين بطروا النعمة، نعمة الخيرات الوفيرة والأمن والسلامة واليسر في أسفارهم ورحلاتهم، فكفروا بتلك النعمة، وطلبوا من الله أن يجعل بينهم وبين القرى فلوات ومفاوز ليركبوا الرواحل ويحملوا الزاد، ربما ليتميز الأغنياء عن الفقراء، فيعود السفر ميزة خاصة للأثرياء فقط لا يشاركهم فيها غيرهم. فأنزل الله بهم نقمته، وجعلهم أحدوثة للناس بعد أن كانوا ملء السمع والبصر.
وفيما حدث من قوم سبأ وحلّ بهم آيات أيضا «لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ».
الآية الرابعة: هي في قوله تعالى: «وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ. إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ». وفيها إشارة للسفن العملاقة التي تمخر البحار والمحيطات ناقلة على ظهرها أطنان المحمولات، مستفيدة من حركة الرياح وأنظمتها، بل من مختلف قوانين الحركة التي أنشأها الله.
حين التأمل في هذه الآيات الأربع تنقدح في الذهن أسئلة، منها:
1 - لماذا اختصت الاستفادة من الآيات بالصبّار الشكور دون غيره؟
2 - لماذا جيء بالصفتين على صيغة مبالغة؟
3 - لماذا قُدّمت «صبّار» على «شكور» في الآيات الأربع؟
4 - هل من فرقٍ بين الصيغتين «فعّال وفعول» في أداء المبالغة؟
5 - ما أهمية هاتين الصفتين بالنسبة لحياة الإنسان؟
الجواب عن هذه الأسئلة يكون في المقال القادم بإذن الله.