وما نيل المطالب بالتمني
«خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ»
لتحقيق النجاح وصفته التي ينبغي أن يلتزم بها مريدوه من أفراد أو مجتمعات أو أمم. فالنجاح لا يأتي بضربة حظ كما يعتقد الغارقون في أحلام اليقظة، لا يخرجون منها إلا ليعودوا إليها. الناجحون في أي مجال من مجالات الحياة هم أشخاص يمارسون عادات مختلفة عن تلك التي يمارسها غيرهم؛ عاداتٍ تجعلهم في حركة دائبة لا تهدأ إلا لتنطلق بشكل أقوى نحو غاياتها المنشودة الحاضرة في الذهن أبدا. واحدة من أهم عادات النجاح هي أخذ الأمور المراد تحقيقها بقوة، أي بجدية تامة، دون أدنى تهاون أو تكاسل.
القرآن الكريم أكد في أكثر من موضع على مفهوم الأخذ بالقوة للوصول للمبتغى، كما في قوله تعالى: «وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ» و«يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا». وهذا المفهوم قد يعبر عنه اليوم بالمثابرة، والتي تعني ”العمل بجدية، والتصميم والاجتهاد فيه، وإكمال الأعمال التي يتم البدء فيها، والعمل على تحقيق الأهداف وإن طال الزمن، ومواجهة المصاعب دون إحباط، والقدرة على التغلب عليها“. المثابرة وقودها الإيمان بما يروم المرء تحقيقه، فكلما ترسّخ الإيمان في النفس اشتدت قوة المثابرة، وحشدت قوى الإنسان وطاقاته في طريق هدفه ومسعاه.
والمثابرة تحتاج للعزم الأكيد الذي ذكر القرآن آثاره العظيمة في أكثر من مورد، فقال تعالى: «لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ» وقال: «يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ» وقال: «وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ» وقال: «فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ». فالصبر والاستقامة والقدرة الفائقة على ممارسة أعلى درجات الضبط الانفعالي هي من لوازم إعمال العزم، مما تجعل المثابرة سلوكا يوميا، وليس حالة ظرفية طارئة.
لا شك أن كل واحد يتمنى الانضمام لقائمة الناجحين في المجال الذي يتطلع إليه، ولكنه لن يحدث له ذلك ما لم يحمل الأمر على محمل الجد، فيعزم، ويأخذ الأسباب الموصلة للهدف بكل قوة، ومن ثم يثابر مجتهدا لبلوغ مراده. ويلخص الله تعالى هذه الوصفة بقوله: «وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ». فالانبعاث نحو الهدف لا يكون ذا قيمة إن لم يكن مصحوبا بالاستعداد الصحيح والتهيؤ بتحصيل العدة المطلوبة، بل يكون القعود أولى منه، لأنه انبعاث لا روح له، وعندما تُفقد الروح يتهاوى الكيان ذاته. يقول تعالى: «وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كارِهُونَ».
المثابرة المقرونة بالعزم والإيمان هي روح النجاح، ومن دون ذلك ستبقى الأمنيات تراوح مكانها، ولن تغادر عالم الأحلام الساذجة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.