المستوطنة الشريرة
أن المنظومة الجديدة للأخلاق التي استحدثت تماشيا مع تغيرات العصر ولتتوافق مع حداثة الإنسان الذي أصبح مستنسخاً وفق مفاهيم ومعايير عالمية ابتكرتها تجارة الأخلاق وسوقتها إلى تلك العقول، في صورة ثقافة الحرية المزيفة والتبطين لمفهوم القيم، مما أحدث شرخاً في جدار القيم الإنسانية التي دخلت عليها مفاهيم جديدة لتحدث انقلاباً ملحوظاً في الطرق المعاشية في المجتمعات البشرية المعاصرة مما أدى ذلك إلى الانحلال في المستوى الأخلاقي والقيمي الذي افقد الإنسان هويته الإنسانية بشكل عام والدينية بشكل خاص،
تلك الهوية التي طالما حرص جيل الطيبين على الاحتفاظ بها في أصعب الظروف وفي ظل ذاك الظلام الحالك الذي فرض سيطرته على العالم الذي بدأت فيها عمليات الانحسار شيئاً فشئياً للحضارة الإنسانية، صور خاوية لأشباه انسان كعجل بني إسرائيل الذي اتخذوه إلهً يعبد وقبلة متجهين إليها مستأنسين بذلك الصفير الذي يحدثه الهواء الذي يدخل ويخرج من تلك الفتحات المحدثة في العجل ليوهمهم بقدرة معبودهم على اصدار الأصوات.
لدا فإن المتغيرات التي تحكم مجتمعانا بمثابة ريح صرصر عاتية جعلت من جيل اليوم أعجاز نخل خاوية، بعقول إلكترونية مبرمجة يتحكم فيها عن بعد من خلال غرف السيطرة المركزية المتمثلة في تلك الشركات والمؤسسات التي تدار على مستوى دول وقوميات تعمل على إنتاج برامج على أعلى المستوى من التقنية المعلوماتية المدمرة للقيم والأخلاق وبثها في عقول المستضعفين كونهم البيئة الملائمة.
وافضل المتلقين لتلك السموم والأفكار المنحلة التي صنعت منهم انسان بلا هوية، بالسحر والانبهار كان الجذب للأخلاقيات المريضة لتلك الأرواح المتصدعة جدرانها من الداخل ليبقى الاختزال قائم ضمن الخطة ومخطط الإبادة لمشروع وطن بلا هوية، ليصبح ذاك الإنسان مستعمرة تستوطنها الأرواح الشريرة التي يمكن أن تفعل كل أمرأ قبيح خارج الحدود الإنسانية.
فواقعنا مليئاً بالمستعمرات البشرية التي أصبحت كالخلايا السرطانية تتكاثر بسرعة لتغزو الجسم الاجتماعي وتدمر كيانه، صورة مؤلمة تتطلب من أولي العقول السليمة التي مازالت تمتلك قوة القرار وتمتلك قوة الإدارة البحث عن علاجات المناعة الوقائية للوقوف في وجه هذا الزحف السرطاني المدمر، حتى لا تتزايد المستعمرات ألا أخلاقية خاصة في تلك النفوس البريئة والأرواح الشفافة التي مازالت على الفطرة.