المقاتل الحسينية: المصدرية، الآلية، والتخصص
انطلاقا من قصد الترقي المعرفي في الموسم العاشورائي، افتتح سماحة السيد مجاهد الخباز «دامت توفيقاته»، مساء الأحد، الموافق 2 محرم 1441، بحثه في الرواية التاريخية، مصدرا وآلية، بعنوان: آليات التعامل مع روايات مقتل الإمام الحسين ، مضيقا بهذا دائرة البحث فيما يخص كتب المقاتل: تأليفا، جمعا، وتعاملا.
وذلك من باب الشروع أولا بتصنيف الرواة - نقلة تلك المقاتل الحسينية - الذين هم على أربعة أصناف. الأول: ناجون من الجريمة النكراء، أمثال: عقبة بن سمعان الذي كان مولى للرباب، فأنجته المولوية من الجيش الأموي، وهو من روى عنه الشهير أبو مخنف، وآخر: هو الضحاك، الذي كانت نصرته مشروطة بتحصيل الرخصة من الإمام وقت خلو الساحة من مزيد أنصار. بيد أن الصنف الثاني: كان النساء، كفاطمة بنت الحسين، والثالث: أعداء، كحميد بن مسلم، المتناقضة مواقفه بحسب المسجل عليه تاريخيا، أما الرابع والأخير - الأهم والأول باعتبار الوثوق بالصدور - هم أهل بيت النبوة .
مشيرا سماحته إلى أن أهم كتب التتبع الروائي للمقتل الحسيني، هو كتاب: المقتل الحسيني المأثور، للشيخ جواد محمد الطبسي، مسلطا سماحته الضوء على أول مقتل مكتوب في التاريخ لصاحبه الصحابي الجليل: الأصبغ بن نباتة، في المدى الزمني من عام 61 إلى 70، تلاه: كتاب جابر بن يزيد الجعفي، وأعقبهما: كتاب عمار الدهني، حتى تكاثرت المقاتل، فكان منها المشهور الآن. غير أن الأولى امتازت بقربها الزمني من الواقعة، وخروجها من أحضان أهلها والمصابين بها.
أما عن آلية التعامل مع تلك الروايات، فقد أخبر سماحته عن الضابطة الكلية المعتمدة في قبول أي رواية أو ردها، وهي: الوثوق: أي الاطمئنان بالصدور، إما لصحة السند أو حشد القرائن، وهذا مجال تخصصي، له أفراده، مستشهدا على هذا بمقالة للمؤرخ الكبير الشيخ اليوسفي الغروي، الذي يرى أنه لا يجدر تحقيق الرواية التاريخية بالطريقة السندية الفقهية، وإلا لن يبقى من مقتل الحسين ، إلا أنه مات في يوم العاشر في كربلاء!
موجها سماحته الراغبين في مطالعة تلك التفاصيل في ذلك الكرب العظيم، إلى القنوات التي هي السبيل إلى المعرفة: من كتب مقاتل تخصصية، وأخرى أوسع تاريخا، وثالثة في الفنون عامة، ورابعة هي الشعر الحسيني الملقى أمام معصوم، أو مدون من قبل فقيه معتبر، كالعلامة الأصفهاني. مقفلا حديثه بقناة خامسة: هي المشهور بين الخطباء جيلا بعد جيل.
محذرا سماحته من الوقوع في حفرة تكذيب الموروث، بحجة غياب الدليل، فمن وقع فيها: فلينتبه أنه لم يحط بكل الكتب ولا بجميع الأجيال، ولا بالعلماء والأجلاء والفقهاء الذين شهدوا هذه الأحداث كيف تتحول إلى موروث. منبها أن يقع أحدهم في فخ استبعاد التصور لوقوع مسألة ما في يوم المقتل أو ما يحيطه من تفاصيل سابقة أو لاحقة، بحيث يراها مانعة وليست بمانعة، مستعرضا في إثر هذا بعض الكلام والشبه المثارة مع الجواب عليها.