ضربة جزاء!
شاهدت قبل عدة أيام على اليوتيوب مشاهد تمثيلية لإحدى حلقات الممثل الكوميدي البحريني أحمد شريف، وكان عنوان الحلقة «ضربة جزاء»، تناولت قضية في غاية الأهمية، وأظن - بل أكاد أجزم - بأن السواد الأعظم من بني الإنسان قد تعرض لما تعرض له اللاعب - الذي كان يمثل دوره بكل رشاقة وإبداع أحمد شريف - عندما احتسب حكم المباراة ضربة جزاء لفريقه كانت كفيلة بأن يحقق اللاعب من ورائها نجاحا منقطع النظير، وأموالا كثيرة، وشهرة واسعة تبلغ الآفاق إن هو سجل الهدف في مرمى الفريق المنافس، ولكن ما الذي حدث أثناء استعداد اللاعب ومحاولته تسجيل الهدف؟!
أخذت الأفكار تراوده في غير موعدها المطلوب، وبدأت سلسلة الاحتمالات تعصف به، وانقسم عقله إلى حالتين متناقضتين متعارضتين: حالة إيجابية بتمكنه من تسجيل الهدف وتحقيق كل ما يحلم به، وحالة سلبية بفشله في تسجيل الهدف وما سيترتب عليه من عواقب ومآلات قد تدمر مستقبله في عالم المستديرة عالم كرة القدم، وبين صراع الحالتين أخذ الوقت يمضي ويتلاشى إلى أن نفد وانقضى، وتم طرد اللاعب من المباراة، فلم يتمكن حتى من محاولة التسجيل، ثم جاء لاعب غيره واستغل الفرصة ولم يتردد، وسجل الهدف، وسط هتاف الجمهور وإعجابه وفرحته بالفوز، وفِي الطرف الآخر كانت حسرة اللاعب المتردد ووحدته وندمه لعدم استغلاله الفرصة الثمينة التي كانت سانحة له؛ لتحقيق مثلثٍ أضلاعه: النجاح والشهرة والمال.
والآن فإن كل واحد فينا سيحدث نفسه، أو سيعلن ذلك صراحة أمام الآخرين، مع تفاخر بالنفس، ويتخلل ذلك التفاخر عبارات السخرية والازدراء للاعب المتردد، ومن جملة ما سنقوله: لو كنت مكان اللاعب لما تركت هذه الفرصة الماسية، ولما ترددت أبدا؛ حتى أحصل على كل ما أريد! ولكن هل حديث النفس هذا، أو حتى الإعلان عنه سيكون على أرض الواقع أم أنه خداع نمارسه مع ذواتنا التي لا أظن أنه ستنطلي عليها مثل هذه الخدع التي باتت مكشوفة؟!
أعتقد أننا لو كنّا في ذات الموقف فسنتصرف بسلوك مماثل ومشابهه لما فعله ذلك اللاعب، وربما أسوأ من ذلك بكثير.
استمحيكم عذرا بطرح تساؤل كبير، وأظن أن ألمه أكبر:
لماذا نخاف من الفشل ونضيع علينا فرص النجاح الواحدة تلو الأخرى؟!
إن الخوف من الفشل، وغرس العوائق والعراقيل، وزرع الألغام في طريق نجاحنا، لهو فكر مرفوض تأنفه النفس التواقة إلى التفرد والتميز، لقد تحول الخوف في نفوسنا إلى سلاح فتاك نستخدمه ضد نجاحنا، إلى أن أصبح العدو اللدود، والذي ما إن أتيحت لنا فرص للنجاح هنا أو هناك إلا وبرز لها وكشر عن أنيابه، ودمر كل رغبة فينا لنكون الأفضل والأبرز، وأن تكون أسماؤنا منحوتة في قائمة الناجحين.
الخوف من الفشل في كل مرة يكون فيها النجاح متاحا يحوله إلى قيد فولاذي يمنع تقدمنا ويقف حائلا أمام أحلامنا، ويقتل طموحاتنا ويجعل إنجازاتنا فقيرة إن لم تكن معدومة، وأرضنا الإبداعية جرداء قاحلة، وتحقيقنا لأي فرصة مواتية للنجاح يكون ضربا من ضروب الخيال.
الطموح والنجاح حق مباح لأي إنسان، وإن كل واحد فينا سيحصل في رحلة حياته الممتدة - إن شاء الله - على ضربات جزاء «فرص» متنوعة مع اختلاف العدد «الرزق»، فعلينا ألا نفوت الفرص وذلك بالإمساك بها أولا ثم التثقيف الذاتي لمعرفة تفاصيلها وخباياها، مع الاستفادة القصوى من ذوي الخبرة واستشارتهم بحسب نوع الفرصة، بعدها نحدد أهدافنا التي نسعى لتحقيقها، يلي ذلك مرحلة التخطيط وهي مرحلة لها أهميتها الكبيرة، ومن ثم التوكل على الخالق عز وجل والبدء في مرحلة التنفيذ والمتابعة، وكل ذلك من أجل أن نحصد النجاح تلو النجاح والإنجاز تلو الإنجاز.
ماذا تنتظر؟! تقدم ولا تخف ولا تتردد! ونفذ ضربة الجزاء الأولى؛ لتسجل الهدف وتحقق النجاح.
ومسك ختامنا برائعتين من روائع الإمام علي بن أبي طالب يقول فيهم:
«انتهزوا فرص الخير فإنها تمر مر السحاب».
«الفرصة سريعة الفَوت بطيئة العَود».