تواتر حديث الغدير وموقف الأمة
مابعد الرخاء إلا الشدة ياجدةلو التفت أي إنسان وفكر مليا وترك عنه التعصب والهوى وبحث بحثا موضوعيا لم يقترب إليه أدنى شك بصحة الغدير . وكيف يشك بصدور هذا الحديث عن النبي ( ص ) وقد تجاوز التواتر ، فقد بلغ من الكثرة في الرواية مالم يبلغه غيره من الأحاديث ولا سائر الكلام حتى القرآن الكريم . يقول الإمام الشهيد محمد باقر الصدر قدس سره في كتابه فدك في التاريخ والشيخ الأميني في الغدير : إن عدد رواة الغدير أكثر من رواة القرآن . ولازم ذلك أن الشك في مثل حديث الغدير شك في صدور القرآن وهذا لايقوله مسلم أي الشك في صدور القرآن الكريم . فينبغي أن تكون عند المسلم موضوعية في تفكيره ولايكون الهوى حاكما على عقله فينكر الأشياء المقطوعة المعلومة فقط لأنها تستلزم خلاف فكرته التي شب عليها وخصوصا إذا أثبتت الوقائع بالبحث أن الذي كان عنده مثلا أعلى يصبح عنده مثلا منخفضا وليست عنده أهليه ولياقة لتحمل أعباء المسؤولية الإسلامية كالذين أقصوا عليا عن مركزه الطبيعي. فإذا ثبت لدينا بالبرهان أي شيء لابد أن نذعن إليه وإلا ما استدلننا على شيء من فروع وأصول الإسلام البتة فلماذا المسلم يتعبد في مسائل الصوم والزكاة والحج وسائر الأحكام الشرعية على قول صحيح وخبر أحاد ثابت عنده واذا راى خبرا متواترا من طريقة أيضا مثل حديث الغدير وهو عندما فرغ النبي من حجة الوداع وجمع المسلمين أكثر من مائة وعشرين ألفا وقال لهم الست أولى بكم من أنفسكم قالوا بلى يارسول الله فرفع يد علي حتى بان بياض إبطيهما وقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأنصر من نصره وأخذل من خذله وأدر الحق معه حيثما دار يعرض عنه ولايسلم به وينكره ويئوله رغم بيانه الواضح الذي بلغ قمه الفصاحة والبلاغة بحيث أن كل عربي فصيح يعرف معرفة تامة ماذا يرمي إليه هذا الحديث وكيف يصب ، فإن عدم التسليم لمثل هذا الحديث يلغي صحة كل العبادات والمعاملات وسائر الأحوال الشرعية التي أعتمدت عليها من خلال الأحاديث ويلغي سنة رسول الله ومعناه إنكار لسنة رسول الله وإنكارالسنة معناه أن الإسلام لا معنى له لإنه إنكار مصدر يساوق القرآن في التشريع لأن السنة وهي قول المعصوم وفعله وتقريره في مرتبة الكتاب .
فاذا عرفنا ذلك فلابد من الإذعان والإيمان بماجاء به النبي وخصوصا إذا كانت كل العبادات متوقفة على الولاية لعلي بن أبي طالب عليه السلام ولايقبل أي شيء من العبادات الإسلامية من دون الإيمان بالولاية لعلي بن أبي طالب وكذلك الإيمان للأولياء من بعده وهم أبناؤه من ثقل رسول الله الأئمة الإثنا عشر المنصوص عليهم من قبل نبي الإسلام من طرق المسلمين سنة وشيعة والذي نص عليهم البخاري ومسلم . بقولهما ومضمونه : لاينقضي هذا الأمر حتى يأتي إثنا عشر خليفة كلهم من قريش ولن تنطبق هذه الرواية إلا علي رأي الشيعة بقولهم الأئمة أثنا عشر . والبخاري ومسلم حجتان على أهل السنة باعتبار أن طرقهما أثبات وموثوقين ويأتيان من حيث الصحة بعد القرآن الكريم فيصبحوا بعد ذلك ملزمين بالشيء الثابت عندهم كما يقرره أهل المحاوره وأصحاب الجدل والمناظرون . ولاغرابة أن الأعمال العبادية لاتقبل من دون ولاية علي وأهل بيته ؟ والجواب سهل وهو أن عدم الإيمان بالله وحده والآخرة من دون الإيمان برسالة محمد لاتقبل الأعمال لأن الأعمال متوقفة على الإيمان بنبوة محمد ومحمد قال لنا لاتقبل الأعمال إلا بولاية هؤلاء من أهل بيته والنصوص كثيرة لامجال لذكرها .
ما على المسلم إلا أن يتتبع كتب الحفاظ من أهل الحديث سنة وشيعة ويرى النصوص المشحونة . ويسأل الإنسان في قبره عن ولاية علي وأبنائه . قال تعالى : وقفوهم إنهم مسؤولون ، يعني عن ولاية أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب . لأن الإمامة واجبة في كل زمان فلا تتصور أن الرسول رسول ونبي فقط من دون أن نذعن له بالإمامة فالنبي هو إمام المسلمين فلا بد أن ينصب الإمام إماما من بعده حافظا للشريعة وقد نصب رسول الله عليا إماما على الخلق في مواطن عديدة آخرها يوم الغدير وذلك بأمر من الله ، قال تعالى : يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك فإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس وقد بلغ ما أمره . والإمامة جعل من الله لا اختيارا من الخلق ولذلك يقول الله عز وجل إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لاينال عهدي الظالمين والإستدلالات العقلية والنقلية سواء من القرآن أو السنة متظافرة وكثيرة بالغة درجة كبيرة من العلم بل اليقين لو لم يغالط المتعصب نفسه لأصبح عنده أن الإيمان بولاية علي من الضرورات والبديهيات وكذلك الأدلة العقلية البرهانية ساطعة ، إلا أن غبار التعصب لم يمسح والخضوع للحق لم يكن ، نقول : الحمد لله على النعمة بولاية أمير المؤمنين وأبنائه المعصومين ، الحمد لله على أكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الرب بولايتهم.
رغم كثرة النصوص من القرآن والسنة المطهرة إلا أن الأمة الإسلامية لم تف لعلي باب مدينة علم الرسول ، وأقضى الأمة ، وباب حطة من دخله كان آمنا ، وأفقه الأمة ، وأشجعها ، وأكثرها إيمانا وصلابة في دين الله ، ومجاهدة من أجل الإسلام . رغم هذه النصوص إلا أنه لم يقدر لعلي أن يتولى منصب الولاية والخلافة نتيجة لتكالب أصحاب المطامع والمناصب الدنيوية ، وهم يعلمون أن عليا سيحمل الأمة على المحجة البيضا ، ويبلغ بهم إلى أعلى درجات السعادة ، لأنه صاحب الأهلية واللياقة لتحمل أعباء هذه الأمة وقيادتها . إلا أن الأمة الإسلامية أختارت الشقاء بتولي اشخاص غير جديرين ولاقديرين أن يسوسوا هذه الأمة لأنهم لم يستوعبوا الإسلام إستيعابا كاملا ، وخسرت هذا اللطف الإلهي العظيم الذي أرشدهم إليه ، فضيعت الأمة على نفسها ماجاء به مائة وعشرون ألف نبي كما يقول الإمام السيد الشهيد السعيد محمد باقر الصدر رحمه الله .
ولم تقتصر الأمة على إقصاء عل وأهل بيته عن مركزه الإداري فحسب ، بل أوعزت إلى الأمة أن تتخلى عن أهل البيت في أخذ التعاليم الإلهية الشرعبة وتعلم أن أهل البيت هم الذين عندهم علم الكتاب والتشريع وهم الذين يستوعبون الإسلام إستيعابا كاملا فقد حرمت الأمة من الفيض الإلهي والعطاء الرباني ، وجعلتهم يتخبطون في قضايا الشرع ويعبثون في أحكام الدين . فما أعظمهما من خسارة . وليت الأمر اقتصر في تسلم زمام الأمور على أناس يحافظون على الشكل الظاهري لأمر الدين إلا أن الأمر وصل إلى أشخاص يتاظهرون بالفساد الأخلاقي والإداري والتظاهر بالكفر حتى وصلوا إلى قتل أولاد الأنبياء وحملة رسالة الأنبياء والسبب الوحيد هو بداية الإنحراف الذي وقع بعيد وفاة الرسول .
والذي أنكى من ذلك أن الأمة لم تف لعلي حتى في خلافته المجمع عليها سواء على منطق النص والشورى والسقيفة فقد وقفت الأمة من علي موقف التشنج والبغض والمحاربة ، فقد برز الناكثون والقاسطون والمارقون . وحتى في الجانب التشريعي في مسائل العبادات والمعاملات والجانب الحقوقي والإداري – فلم يخضعوا لعلي في هذه الأمور فقد أنكر عليهم البدعة فعارضوا حينما نهاهم عن صلاة التراويح جماعة قالوا مستنكرين واسنة عمراه وعزل الأقزام من الولاة فحاربوا ، ورد الحقوق لبيت مال المسلمين فرفض أصحاب الطبقية والإرستقراطية حتى أنهم لم يتلقوا فتاواه بكاملها ، يقول متظلما وهو في خلافته المجمع عليها لو ثنيت لي الوسادة لأفتيت أهل الإنجيل بإنجيلهم وأهل الزبور بزبورهم وأهل الفرقان بفرقانهم .
وهذه النتائج الوخيمة كما بينا كلها نتيجة لعدم تطبيق حديث الغدير . إن سبب شقاء الأمة كله من عدم تطبيق حديث الغدير ، فلو قدر للأمة تطبيق حديث الغدير لما عانت من البؤس الإقتصادي رغم وفرة الإنتاج وكثرة الموارد ، إلا أن الظلم وسوء التوزيع وعدم الأخذ بالمذهب الإقتصادي الإسلامي الأصيل أعني من محمد وآل محمد أصبحت الأمة من أفراد وجماعات تعج بالفقر المدقع . فلو قدر تطبيق حديث الغدير بحسب الموازين الطبيعية وسنن التاريخ والحياة كما في تعبيرات الشهيد الصدر لحملهم على العدل وحسن التوزيع ، ولو قدر لتطبيق الحديث والتفت الأمة الإسلامية تحت راية علي وأهل بيته لما ضعفت هذه الأمة ومادلت ولم يكن عليهم سبيل من الكفار من قوى الشرق والغرب واليهود ، إن هذه الويلات التي تعاني منها الأمه سببه الإعراض عن الإسلام ، أعني إسلام علي عليه السلام وأهل بيته فواقعا نقول بصراحة إن عدم الخضوع لأمر علي وولايته هو إنكار لرسالة الإنبياء ، إنكار لأمر الإسلام ، فنخاطب الأمة الإسلامية جميعا ونقول لها إن الأمة الإسلامية لن ترجع لها عزتها طالما أعرضت عن خط أهل البيت وأخذت بأقوال المرجئة وعمران بن حطان والذي يمدح ابن ملجم قاتل علي ويقبله أصحاب الصحاح من المسلمين وكذلك أخذها بالأحاديث الذي يرويها مروان بن الحكم طريد رسول الله وأعرضت عن علي وفاطمة والحسن والحسين والسجاد والباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم وعلي الرضا ومحمد الجواد وعلي الهادي والحسن العسكري والحجة محمد بن الحسن المهدي عليهم السلام .