غازي القصيبي.. رجل جاء ولم يذهب
قبل يومين، مرّت الذكرى التاسعة لرحيل الرمز الوطني الملهم غازي القصيبي، الشاعر والأديب والوزير والسفير السعودي الذي لُقب بـ «الاستثناء» لشخصيته المتعددة والمتفردة التي لا مثيل لها.
في الخامس من رمضان عام 1431هـ، ترجّل الفارس النبيل الذي عاش حقبة زمنية صاخبة، على الصعيدين الوطني والعالمي، وخاض الكثير من المعارك الضارية ضد العديد من الأصوات والجبهات والقناعات، ولكنه رغم انتصاراته المُتلاحقة في أغلب تلك المعارك، لم يفجر في الخصومة أو يستغل الموقف، بل على العكس تماماً، فقد جسّد بنبل وفروسية المعنى الحقيقي لـ «شرف الخصومة»، هذه القيمة الجميلة الغائبة وسط خلافاتنا ومواجهاتنا وعداواتنا، لأنه كان يُدرك جيداً خطورة الظرف وفداحة الموقف، فلم يتشمت أو يترصد، بل قرر ضبط نفسه الكبيرة التي دربها على الصفح والتحمّل، وقرر أن يُعلي من شأن الوطن، والوطن فقط، و«حتى لا تكون فتنة» استقبل كل السهام التي كانت تُسدد باتجاه التسامح الذي كان يُجسده في كل حياته.
ويُمثّل الشاعر والوزير غازي القصيبي، ظاهرة إنسانية لن تتكرر، بل وأيقونة ملهمة لن تغيب ولن يسكنها الظل، مهما تعاقبت السنين أو تراكمت الأحداث، وتلك هي حقيقة الكنوز والثروات البشرية التي تتصدر قوائم المجد.
غازي القصيبي، بكل ما يحمله من قيمة ومكانة ونزاهة وتسامح ونبل ورقي ومشاعر وفكر وعلم ووعي، أيقونة وطنية ملهمة تستحق أن تُزيّن صدر الوطن، هذا الوطن الكبير بتاريخه وحضارته، تماماً كما هو كبير برجاله ورموزه.
ويبدو أن قدر «الكبار» هو الحضور الذي يكره الغياب، والوجود المستمر على جدول الحياة وروزنامة الفخر، والدكتور غازي القصيبي هو سيد هذا الحضور الطاغي الذي يعشق التألق والتجدد.
والدارس لحياة وسيرة هذا الرمز الوطني الكبير، يكتشف قدرته الفائقة على استشراف المستقبل، فقد كان يُحذّر من تفشي مظاهر العنف والتشدد والغلو، وكان يُنبّه من تمدد الطائفية والعنصرية والكراهية، كما كان من أوائل من فضح مظاهر الفكر الصحوي وتحمّل على إثر ذلك الكثير من التهم والتخوين والتسقيط.
نعم، قد يكون غازي القصيبي «رجل جاء وذهب»، ولكنه لم ولن يذهب بعيداً، فهو «اللون على الأوراد»، وهو «الأسطورة»، وهو «سعادة السفير»، وهو من صاغ «أشعار من جزائر اللؤلؤ»، وهو من رسم «حياة في الإدارة»، وهو ترجمان لـ «المؤمن الصادق»، وهو «سحيم».