«شمس بداخلنا»
«السعداء يبنون عالمهم الداخلي، والتعساء يلقون باللوم على عالمهم الخارجي. » - هارف إيكر
في كل يوم نفتح عيوننا الصباحية؛ فنشاهد شمسنا «الخارجية» وهي تبزغ كل صباح معلنة ميلاد يوم جديدٍ يحمل أحداثا جديدة، وأحلاما خضراء، وثمارا حان قطافها، وأمنيات ربما يكون هذا اليوم هو موعدها المنتظر.
هذه الشمس «الخارجية» ليست لدينا عليها سلطة، ولا نستطيع التحكم فيها أو توجيهها كما نريد، وكيفما نحب ونرغب، فهي تسير وفق نظام دقيق، وهي آية من آيات الله سبحانه وتعالى.
هذه الشمس ليست محور حديثنا، ولا غاية قصدنا، نحن هنا - وفِي هذه الصفحة الإلكترونية - سنتحدث عن شمس أخرى مختلفة، وهي ليست خارجية بل «داخلية» وغير مرئية، كذلك فإننا نستطيع أن نوجه بوصلتها كيف نشاء، ولدينا القدرة على التحكم فيها؛ لتمدنا بالقوة اللازمة لمواجهة الأحداث والوقائع والمشكلات والظروف والمؤثرات الخارجية، هذه الشمس الداخلية مقرها ومكانها في نفوسنا، في دواخلنا وفِي قلوبنا.
إن كل واحد منا يمتلك هذه الشمس، وهي سلاح ناجع وفعّال لمواجهة أقسى الضربات والتحديات، وهي كذلك مختلفة ومتفاوتة من حيث قوة السطوع والإشراق، فبحجم السطوع يقوى هذا السلاح، وبقوة درجة الإشراق تنتصر نفوسنا على أشد المواقف وأصعبها.
شمسنا الداخلية تستمد قوتها وتستقيها من جذور كثيرة تنمو تدريجيا بإرادتنا وعزيمتنا وإصرارنا ورغبتنا، هي جذور راسخة وضاربة في العمق، ومنها:
التغلب على مخاوفنا والتي لا نصرِّح بها غالبا والتي تمنع تقدمنا وتطورنا وتبقينا في بادي السلم، يلي ذلك تجربة أشياء جديدة ومفيدة تظللها وتعززها ثقتنا بأنفسنا، مع عدم إضاعة الوقت في ذكريات الماضي وما أحدثته من شروخ وآلام، والتفكير في الحاضر الآني؛ لتحسين المستقبل، كذلك الفرح بانجازتنا الصغيرة والاعتزاز بها حد الفخر، وتعهدها بالعناية والرعاية؛ لتنمو فتصبح كبيرة ومؤثرة، ولا ننسى التصالح مع ذواتنا وتقديرها ومنحها المكانة العالية التي تستحقها دون مبالغة أو نرجسية.
تقوية شمسنا الداخلية / عالمنا الداخلي بصورة مستمرة ودائبة ومتواصلة تجعلنا نواجه الحياة بصعوباتها وأزماتها، بل ونتغلب على أصعب المواقف وأشدها شراسة، ونستطيع أيضا تحقيق آمالنا وأحلامنا وتطلعاتنا، ونصنَّف أمنياتنا - التي نجحنا في أن نجعلها حقيقة - في براويز ماسية نحدق فيها، فينبعث منها ذلك البريق الذي يأخذنا في رحلة تأمل فيروزية، رحلة كانت مجموعة أحلام في داخل إنسان، حتى أضحت واقعا وشمسًا تضيء دواخلنا، فكلما تعرضنا لمشكلة أو عائقة أو مأزق عالجها شعاع هنا أو ضوء هناك مصدره تلك الشمس التي شيدنا بناءها فينا، فأعطتنا كل تلك القوة والبأس والصلابة والطاقة؛ لمواجهة أقسى الظروف والمعضلات والعقبات التي نواجهها ونلاقيها في حياتنا.
أضع لك مثاليين يختصران الأمر كله،
أولهما لشجرة الخيزران وثانيهما للصخرة:
- شجرة الخيزران عندما نزرعها فإنها تظل لمدة أربع سنوات في مد جذورها في الأرض لتبني نفسها من الداخل «شمس داخلية»، بعدها تبدأ تكبر من الخارج إلى أن يصل طولها إلى أكثر من ثلاثين مترا.
- الصخرة تستمد قوتها من داخلها مهما واجهت من تحديات وتعرضت لأقسى الضربات.
التناسب الطردي الحاصل بين تقوية الداخل وانعكاسه على تقوية الخارج يجعلنا نتخذ قرارا فوريا - لا تردد فيه ولا تأخير - صيغته لا لبس فيها ولا غموض، وألفاظه سهلة سلسة، ومفاده بسين المستقبل القريب وليس بسوف:
سأقوّي شمسي الداخلية!