الأذان وكيفية تشريعه......!
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء وخاتم المرسلين محمد وآله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
الأذان: هو الإعلام بدخول وقت الصلاة المفروضة بألفاظ معلومة ومأثورة على صفة مخصوصة ، ولغة واصطلاحا: مطلق الإعلام.
الأذان جزء من الشعائر الإسلامية ، ومن الأمور العبادية التي لا يمكن فصلها عن الصلاة ، وقد ورد في تشريعه عدة آراء ، أهمها رأيان ، الرأي الأول ما يراه أتباع السنة والجماعة ومدرسة السلف ، والرأي الآخر ما يراه أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام.
ترى مدرسة السلف وأهل السنة والجماعة أن تشريع الأذان كما نقلته أصح كتبهم وهما (البخاري ومسلم) في باب بدء الأذان ، أن الروايات التي وردت عندهم في تشريع الأذان ، هي أنه شُرعَ لحلمٍ منامي أو رؤى عينية رآها صحابي أو صحابيان أو ستّة أو أكثر أو أقل حسب اختلاف الروايات ، ومن ثمّ نقلت للنبي واستحسنها وأمر بلال بأن يؤديها ويضيفها للصلاة وإليك الحديث كما رواه البخاري في صحيحة: حدثنا أبو عبيد، محمد بن عبيد بن ميمون المدني. حدثنا محمد بن سلمة الحراني ، حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثنا محمد بن إبراهيم التيمي ، عن محمد بن عبد الله بن زيد ، عن أبيه؛ قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد هم بالبوق ، وأمر بالناقوس فنحت ، فرأى عبد الله بن زيد في المنام قال: رأيت رجلا عليه ثوبان أخضران ، يحمل ناقوسا فقلت له: يا عبد الله! تبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ قلت: أنادي به إلى الصلاة. قال: أفلا أدلك على خير من ذلك؟ قلت: وما هو؟ قال تقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر. أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمد رسول الله. حي على الصلاة، حي على الصلاة. حي على الفلاح، حي على الفلاح. الله أكبر، الله أكبر. لا إله إلا الله. قال فخرج عبد الله بن يزيد، حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأخبره بما رأى. قال: يا رسول الله! رأيت رجلا عليه ثوبان أخضران يحمل ناقوسا. فقص عليه الخبر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أن احدكم قد رأى رؤيا. فاخرج مع بلال إلى المسجد فألقها عليه ، وليناد بلال ، فإنه أندى صوتا منك)) قال فخرجت مع بلال إلى المسجد. فجعلت ألقيها عليه وهو ينادي بها. قال فسمع عمر بن الخطاب بالصوت ، فخرج فقال: يا رسول الله! والله، لقد رأيت مثل الذي رأى. [1] .
ما تعتقده مدرسة أهل البيت عليهم السلام: أن الأذان والإقامة من صميم الدين ومن صميم شعائره ، وأنهما من الأُمور العبادية ، لهما من الشأن ما لغيرهما من العبادات ، وأنّ المشرّع لهما هو نفس المشرع للشعائر الأخرى وهو اللّه سبحانه وتعالى ، وبما أنه جل شأنه فرض الصلاة وفرض جميع تبعات الصلاة ، فالأذان والإقامة من تبعات الصلاة ، إذا... تشريعهما منه جل شأنه وليس من غيره ، ولا يمكن أن يكون لأحد الحق في تشريعهما غيره سبحانه وتعالى ، ومن غير المقبول والمعقول أن يكون التشريع للأذان والإقامة الحلم أو الرؤى في اليقظة...! ، بل إنه اختصاص أختص به رب التشريع وهو الله سبحانه وتعالى ، وقد أنزلهما على قلب سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وآله وسلم تنزيلا ، ومن تمعن في فصولهما لوجد أن لكل فصل من فصولهما معاني ذات أبعاد لا يعرفها ويعيها إلى العارفين العابدين المتقين ، وما تحمله من سمو ورفعة للذات المقدسة في وصفها ومعانيها ، وكل فصل من فصوله يحتاج إلى شرح يفوق ما يتخيله العقل في الوحدانية والنبوة ، وأنهما أساس الدين ، وعليهما يقوم.
إذا رأي مدرسة أهل البيت أن الله شرع الأذان والإقامة وهبط بهما جبرائيل على قلب محمد وعلّمه إياهما ، وبدوره عمل بهما كما ينبغي ، فعلّم بلالا الأذان ونقله للناس ، ولم يشارك في تشريعهما أحد. وهذا ما تعتقده مدرسة أهل البيت عليه السلام (الإمامية) ، واتفقت عليه آراءهم وكتبهم.
أما الفرق بين الرأيين فهو شاسع وكبير جدا ، بل هو كالفرق بين الليل والنهار ، وأن أحدهما يتعارض مع شخص الرسول ورسالته وخالقهما بصورة غير مقبولة عند كل ذي لب ، ونلخصه في النقاط التالية:
• أن الحلم والرؤى ليستا حجة ، ولا يمكن الأخذ بهما ، ولا يعتل بهما في التشريع.
• من ظاهر الحديث يدل على التشكيك والطعن في الرسالة ذاتها وعدم كمالها.
• أن الرسول بحاجة للناس في تشريع رسالته.
• إذا كان الرسول بهذا النقص فما هو الفرق بينه وبين غيره.
• عندما يوجه مثل هذا الكلام للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فهذا ينعكس على من أرسله ، لأنه أرسله بدون علم ومعرفة وهذا الاعتقاد طعن في الذات المقدسة أيضا.
• القول بمثل هذا الكلام خلاف صريح للقرآن في أن الدين كامل متكامل لا يعتريه النقص ويصلح لجميع الأمم ، لأنه لم يغطي حاجة الرسالة التي بعث بها في حينها ، فكيف يغطي ويصلح للقرون المقبلة مع أممها.
• تناقض علم الرسول في القرآن الكريم والحديث أعلاه ، فإن علم الرسول شامل في كل ما تحتاجه الرسالة ، والحديث هذا يتناقض مع الآية الكريمة (وعلّمك ما لم تكن تعلم) ، كما أن هناك الكثير من الآيات الدالة على علم الرسول ومعرفته من الله سبحانه وتعالى بكل ما يحتاج ، فإما أن نعتمد على القرآن وندع ما يطرح الآخرون ، أو نترك القرآن ونتبع ما يطرحون.
• اتهام الرسول صلى الله عليه وآله باستخدام الناقوس والبوق ما شابه (وهذه من أعمال اليهود والنصارى آنذاك) دليل على عدم ثقته برسالته وعدم معرفته بإدارة شريعته ، وأنه بحاجة إلى إكمال رسالته من الآخرين ، وهذا يعود كما أسلفنا مسبقا.
• تفضيل الصحابة على الرسول وإظهارهم بالأهلية في دور التشريع ، وإظهار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأنه أدنى وأقل منهم في ذلك ، وبهذا فإن الصحابة أفضل من الرسول في التفكير والتشريع ، وأيضا ما يقول بهذا إلى الكافر بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ورسالته.
• أن التشريع أمر رباني من الله سبحانه وتعالى ورسوله ولا يحق لأحد أن يشرع في مقام الرسول ، بل يأخذ ما يقوله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فإن قوله وفعله وتقريره حجة ، وصدق الله حيث يقول:﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا [2] ﴾ ، وفي آية أخرى يقول جل شأنه : ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [3] ﴾
• اتهام الرسول بالتقصير وعدم المعرفة دليل على ما يُكنُ لشخص الرسول والرسالة من حقد دفين ، وهذه الأفكار من أعداء الإسلام ، والتي يتهم بها أتباع مدرسة أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، لكن من الواضح البين أن من يفعلها هو غيرهم ، وهم أتباع هذا النهج وهذه النظرية.
• إظهار الصحابة بأفضليتهم على الرسول خروج على الدين وكفر بالله سبحانه وتعالى ، فلا يكمل إيمان العبد إلا بأفضلية ومحبة الرسول على الكل مطلقا: (حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب قال حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فو الذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده).
• إن الأذان والإقامة شرعا لثمانية أشهر من هجرة رسول الله إلى المدينة المنورة , كما نصّ على هذا ابن شهر آشوب ، وكيفية الأذان كانت هكذا ـ كما سمعها رسول الله من ملك يؤذن للصلاة عند عروجه إلى السماء ـ : الله أكبر أربع مرات , ثم أشهد أن لا إله إلا الله , ثم أشهد أن محمداً رسول الله , ثم حي على الصلاة , ثم حي على الفلاح , ثم حي على خير العمل , ثم الله أكبر , ثم لا إله إلا الله , كل فصل مرتان [4] .
• أنه لما اسري برسول إلى السماء فبلغ البيت المعمور وحضرت الصلاة أذن جبرائيل وأقام فتقدم رسول الله وصف الملائكة والنبيين خلف محمد وصلى بهم.
عندما نرى الدين يتدخل في تنظيم الحياة بجميع جوانبها ، وفي الأمور الخاصة والعامة ، الصغيرة والكبيرة ، الأكل والشرب وكيفيته وطريقته ، الدخول إلى بيت الخلا وما يستحب عمله فيه وما لا يستحب وكيف الخروج منه ، وفي كيفية دخول المسجد والخروج منه وما يستحب عمله من عمل وذكر وبأي كيفية تخرج منه ، تدخل في كل هذه الأمور وهي عالقة بالعمل الفردي ، فكيف يتدخل في كل هذه الأمور البسيطة التي تخص ذات الفرد ، ويترك العمد الأساسي الذي يقوم عليه التشريع ، وبه يعمل المكلفون من المسلمين ، فإذا كان الأذان جزء من الصلاة ، والصلاة من أهم مصاديق العبادة والطاعة ، أليس من الأولى أن يكون هذا النداء الخاص بالصلاة والتابع لها أن يكون ضمن التشريع الإلهي بدلا من الحلم والرؤى.
إذا تشريع الأذان لإقامة الصلاة..! ، والصلاة هي معراج روح المؤمن إلى جوار ملكوت خالقه وحبيبه وربه...، وكمالها... تأديتها بكل تبعاتها ، والإقامة جزء رئيسي من التبعات والملحقات ، وكذلك الأذان ، وأن الأذان هو العنوان الذي به يعرف المسلمون ، وهو الشعار الذي يعول عليه أتباع الدين ، فعندما تسأل لماذا شرع الأذان.؟ ، الجواب... شرع لدخول الوقت ، أي معرفة وقت الصلاة ، التي هي مصداق الطاعة والعبادة لله ، فلو لم يشرع لما علم الناس بدخول الوقت ، إذا هذا النداء مصداق الإعلام لأداء الصلاة ، فإذا كان بهذه الأهمية وهذا العنوان فكيف يشرع بالحلم والرؤى ، أم كيف يتركه الشارع المقدس مفتوحا على مصراعيه ، وهو الباب للصلاة...!!!!
استغفر الله لي ولكم ونسأله أن يوفقنا لإقامة الصلاة ، إنه سميع الدعاء وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.