أسوأ خمس صناعات
لكل الأمم والشعوب والمجتمعات، قديماً وحديثاً، مساهماتها ومشاركاتها وصناعاتها التي شكّلت مداميك المسيرة البشرية، منذ عهد الإنسان الأول حتى الآن. وكطبيعة كل الأشياء، توزعت تلك المساهمات والصناعات البشرية، ما بين الجيد والسيئ، وما بينهما من «مصادر الإثارة» التي كانت وما زالت عصية على الفرز والتصنيف. وبشيء من الإجمال: إن أغلب الاختلافات والتمايزات تلك، تخضع للحالة النسبية وللمزاج التصنيفي، وينبغي ألا نتعامل معها، كما لو كانت مسلمات ثابتة.
هنا، لن أتحدث عن المساهمات البشرية بشكل عام، ولكنني سأخصص هذه المساحة فقط، للكتابة عن أسوأ خمس صناعات بشرية غير مادية، احترفها البشر منذ البدايات:
الأولى، وهي صناعة الكراهية. وهي الصناعة التي لم يدّخر البشر وسعاً لامتهانها وتسويقها، وذلك عبر شيطنة الاختلافات ومحاربة التنوعات. وهذه الصناعة التي يُمكن أن نُطلق عليها «شجرة الكراهية» التي زُرعت في أفكارنا وموروثاتنا، لتمتد جذورها لكل تفاصيل حياتنا، الصغيرة والكبيرة، تتفرع وتنتشر بشكل كبير وخطير، تماماً كالنبت الشيطاني.
الثانية، وهي صناعة الوهم. ورغم كل التطورات الهائلة والمستمرة في العلم والمعرفة، إلا أن خط الوهم والخرافة، ما زال يُنتج وبكميات ضخمة بضاعته السيئة، فباعة الوهم وعشاق الخرافة في ازدياد.
الثالثة، وهي صناعة الأعداء. وهي ليست صناعة سيئة فقط، ولكنها غبية أيضاً. خلق العداوات وافتعال الأزمات، من أسوأ الصناعات البشرية على الإطلاق.
الرابعة، وهي صناعة الموت. وهي الصناعة الأكثر تعقيداً وخطورة، فهي نتاج/مآل لكل لتلك الصناعات البغيضة. صناعة تقتات على قتل الآخر، لا لشيء، سوى أنه ليس نسخة مطابقة لفكر وفهم صنّاع الموت.
الخامسة، وهي صناعة التعصب. وهي ظاهرة قديمة حديثة، مستقرة في عقل ومزاج البشر، ولكن بنسب متفاوتة، تبعاً لمنظومة القيم التي تحملها المجتمعات. وتظهر هذه الصناعة السيئة، بصيغ وأشكال مختلفة، كالتمييز العنصري والديني والطائفي والجنسي والطبقي.
لن نستطيع القضاء على هذه الصناعات البغيضة، تلك حقيقة مؤلمة، ولكننا نستطيع أن نواجهها ونُقلل من الطلب عليها، وذلك بصناعات خمس مضادة، وهي بالترتيب: صناعة التسامح، صناعة الإيمان بالعلم، صناعة الاحتواء، صناعة الحياة، صناعة قبول الآخر.
الآن، وبعد هذا السرد التعريفي بأسوأ خمس صناعات بشرية غير مادية، إضافة إلى خمسة بدائل/خيارات موازية لها، يقفز هذا السؤال المهم: لماذا تجد هذه الصناعات الكريهة كل هذا الإقبال والانتشار؟