لماذا لا نُعيد للمعلّم هيبته؟
قبل يومين، وتحديداً في الخامس من أكتوبر، احتفل العالم، كل العالم، باليوم العالمي للمعلم، وهو مناسبة عالمية أقرتها منظمة اليونسكو في العام 1995، وذلك لتسليط الضوء على وظيفة التعليم والاهتمام بمكانة المعلم، والتأكيد على دوره الفعّال في تنمية الأمم والشعوب والمجتمعات، إضافة إلى تذليل كل العقبات والتحديات التي تواجه المعلم ليقوم بدوره التنويري والتعليمي والتربوي بشكل يتناسب وقدسية وقيمة ومكانة هذه الوظيفة/ الرسالة الملهمة.
عملت في قطاع التعليم لسنوات طويلة، وأعرف جيداً كل تفاصيله الصغيرة والكبيرة، خاصة تلك الصعوبات والعقبات التي يواجهها المعلم في الحقل التعليمي، مما يُعيقه وبشكل كبير عن تأدية رسالته الشريفة التي نذر نفسه من أجلها.
ويُعدّ قطاع التعليم في المملكة، الأكثر ضخامة وحساسية وتعقيداً، ولعل الأرقام الفلكية لهذا القطاع الكبير، تؤكد حجم الصعوبات والتحديات التي يواجهها المسؤولون والمعنيون بقطاع التعليم الوطني. فهناك قرابة الستة ملايين طالب وطالبة، وأكثر من 600 ألف معلم ومعلمة، وأكثر من 36 ألف مدرسة، وتتجاوز مخصصات الإنفاق على قطاع التعليم من الميزانية العامة الـ200 مليار ريال.
هذه الأرقام الكبيرة جداً، تؤكد بما لا يدعو للشك، أن قطاع التعليم السعودي يُمثّل تحدياً كبيراً لكل المسؤولين والمعنيين بهذا القطاع الضخم في وطننا العزيز.
«واقع المعلم السعودي»، ملف معقد وشائك، يحتاج للكثير من المقاربة والشفافية، وكذلك للدعم والمساندة، سواء من وزارة التعليم أو من المجتمع السعودي. كل المهن والوظائف والحرف، تستحق الاهتمام والرعاية، ولكن مهنة التعليم التي تُمثّل البيئة الآمنة لتشكيل وإعداد مستقبل الوطن، هي المهنة الأكثر حاجة للثقة والاهتمام.
بكل حزن ووجع، لم تعد مكانة المعلم كما كانت في العقود السابقة سامية ورائعة، بل على العكس تماماً، فهي تتعرض باستمرار للتشكيك والاتهام والسخرية. أخبار وإشاعات وأكاذيب وتُهم وصور ومقاطع، تُقلل من قيمة ومكانة المعلم. وحتى المدرسة التي يُفترض أن تكون ملاذه الآمن، لم تعد كذلك، حيث تحولت إلى سور بغيض يحبس كل طموحاته وتطلعاته وإبداعاته. المدرسة، لم تعد بيت العلم والمعرفة والتجربة والخبرة، ولكنها أصبحت «ماكينة» لنسخ الأوراق والتعاميم والعقوبات والواجبات والمسؤوليات والمهمات والانتظارات وحصص النشاط والكثير الكثير من الأعباء والأعمال، ليجد المعلم نفسه في دوامة لا تنتهي من المشاغل والضغوطات، تُبعده كل البعد عن ممارسة وظيفته الأساسية وهي التعليم.
لماذا لا نسأل أنفسنا هذا السؤال البسيط: لماذا نجح تعليمنا في الماضي وصنع الرموز والأيقونات الوطنية التي ساهمت في بناء وتطور وازدهار الوطن، رغم الإمكانات البسيطة والظروف الصعبة؟ أعرف أن الإجابات كثيرة ومتعددة، ولكن أهمها على الإطلاق، هذه الإجابة الواضحة: حينما كنا نضع المعلم في المكانة العالية التي يستحقها.