عذرا أيها المصطفى...!
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء وخاتم المرسلين محمد وآله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين ، وبعد....
بينما كنت أتصفح في المكتبة الشاملة [1] ، التي تحوي الكثير من كتب أهل السنة والجماعة ، وصممت لخدمة طلبة العلم ، والتي تعبر عن أن كتبها منقحة وصحيحة ، وبالصدفة وإذا أنا بهذا الحديث الذي بين أيدينا:((عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ عَلَى صَوْتِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قُمْنَ فَبَادَرْنَ الْحِجَابَ, فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَخَلَ عُمَرُ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَضْحَكُ. فَقَالَ عُمَرُ: أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ, فَقَالَ النَّبِيُّ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلَاءِ اللَّاتِي كُنَّ عِنْدِي, فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الْحِجَابَ" فَقَالَ عُمَرُ: فَأَنْتَ أَحَقُّ أَنْ يَهَبْنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ عُمَرُ: يَا عُدُوَاتِ أَنْفُسِهِنَّ, أَتَهَبْنَنِي وَلَا تَهَبْنَ رَسُولَ اللَّهِ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقُلْنَ: نَعَمْ أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ رَسُولُ الله, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أيها يابن الْخَطَّابِ, وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا قَطُّ إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ")) ، وبعد الانتهاء من قراءته شدني البحث عنه أكثر ، ففوجئت بالنتائج ووجدت أن معظم الكتب والمكاتب لأهل السنة والجماعة يعتقدون اعتقادا جازما به ، وأنه من الأحاديث الصحيحة والمعول عليها عندهم.
وكما هو معروف أن الصحيحين هما الكتابان اللذان يأتيان بعد القرآن الكريم عند أتباع أهل السنة والجماعة ، وهما صحيح البخاري [2] وصحيح مسلم ، وكل ما فيهما صحيح ويأخذ به عندهم ، وهذا الحديث ضمن أحاديثهم المعتبرة والمصححة ، فمن يقرأ هذا الحديث ويتمعن فيه يجد العجب العجاب ، أي رسول هذا الذي يُتحدث عنه في هذا الحديث...؟ ، هل هو محمد بن عبد الله ؟ ، وما هي الأبعاد لهذا وما المراد منها ، علما بأن في هذا الحديث تجتمع النقائض بشتى أنواعها ، كما أن فيه الطعن الصريح في شخص الرسول الكريم ، وتقصيره في تبليغ رسالته ، والأغرب من ذلك كيف يقبل به ويصحح وفيه كل هذه النقائض وإليك بعضها:
- الله سبحانه وتعالى نهى الصحابة ، وهم المجاهدون والمدافعون عن بيضة الإسلام عن رفع الصوت في حضرة الرسول ، فمن الأولى النساء ، وقد خاطب الصحابة بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ ، الخطاب موجه للذين أمنوا به ، وهم من حوله من الصحابة ، فإذا كان الله لا يرضى لهؤلاء أن يفعلوا ذلك في حضرة الرسول فكيف بالنساء يتجرأن على ذلك.
- التناقض العام في دور الرسول صلى الله عليه وآله وتبليغ الرسالة.
- عدم الاحترام لشخص الرسول حيث أن النساء يرفعن أصواتهن عنده ، وأن هذا أمر طبيعي بالنسبة لهن ، وهي مخالفة صريحة لكلام الله سبحانه وتعالى ، ولم يخشون الله في ذلك ، وخشين عمر.
- من الفهم العام للرواية أن النساء اللاتي معه كن أجنبيات ، والرسول لم يمانع وجوده معهن بدون حجاب ، وهذا اتهام صريح وواضح بأن الرسول يفعل المحرم ، لأنه لم يمانع من التعامل معهن بدون حجاب ، وهذا الاتهام لا يليق أن يرمى به مؤمن عادي ، فكيف يوجه لسيد البشرية وصاحب التشريع.
- هذا العمل يبين أن الرسول مقصر في تطبيق رسالته ، وأن تطبيقها لا يهمه ، لأنه لو كان يعنيه لأمرهن بالحجاب ، وهذا يتناقض مع قوله لقريش أو أهلك دونه ، لأنه على استعداد أن يضحي بروحه وهي أغلى ما يملك لإرساء قواعد هذا الدين.
- المسلمون جميعا يعتقدون أن فعل الرسول وعمله وتقريره حجة ، والعمل به شريعة لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو المشرع الوحيد لهذا الرسالة بأمر الله ، فإذا لم يعارض على ما قامت به النساء يعني أنه أقره ، وإقراره لهذا يعني انه شرعه للناس ولا إشكال فيه ، فكيف يختلف الأمر عندما يدخل عمر.
- الاعتقاد بما قيل في هذا الحديث كفر وخروج عن الدين الإسلامي ، لأنه يطعن في أهلية الرسول لتبليغ الدعوة.
- السخرية الواضحة على المصطفى حيث أنه على هذا التصرف الغير لائق الذي نسب إليه ، يضحك لعدم قدرته على إدارة أموره.
- جدارة غيره في إدارة الأمور وكأن الرسول عاجز وغير مؤهل ، وهذا يعطي غيره الفضل عليه.
- أما جواب النسوة فهو مخالفة صريحة للقرآن حيث يقول مخاطبا للرسول الكريم ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ (159) ، والمطلوب هو اللين والمحاباة وليس العنف والشدة.
- التناقض الصريح والواضح في ما وجه للرسول من خدش لكرامته وشخصيته ، وكذلك عجزه عن إدارة الأمور التشريعية ، وهذا كله دليل واضح على فبركة هذا الحديث وأنه موضوع لهدف ما.
من السخف ما ينسب لأتباع مدرسة أهل البيت أن عقولهم مغلقة وغير مستعملة ، وأنها مجمدة ، بالله عليكم يا من تشغلون عقولكم..! ، هل تقبلون مثل هذا القول على احد من علمائكم.؟ ، وهم أشخاص عاديون ، فكيف تقبلون ذلك وتصححونه بحق أفضل المخلوقات على العوالم ، أليس هذا هو رسول الخالق ، والمبلغ عن السماء ، بعثه الله رحمة لعباده ، والذي أكرمته السماء ومدحته الآيات الصريحة التي تدل على علو أخلاقه وعظمته وحكمته وعلمه وفهمه ، وهذا القرآن ينادي: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ ، ويؤكد له كذلك: ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ﴾ ، ويقول له أيضا ﴿فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ وهو الذي عصمه الله في كتابه الكريم حيث يقول ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾ .
كل هذه الآيات تتناقض بصورة واضحة وجلية مع مضمون الحديث ، وإذا تناقض الحديث مع الآية أو الرواية ، يأخذ بالآية ويترك الحديث والرواية ، والنقل لمثل هذا الحديث ما هو إلا عار على المسلمين ، وإغلاق واضح للعقل وتشويه للرسالة ومبلغها ، فما هو دور الرسول ؟ ، أليس التبليغ للرسالة ، فإذا كان فاقدا لأهم ما أرسل إليه ، فلماذا أرسل ، وهل من أرسله على علم به ام لا..؟ ، وكيف يقوم بدوره ، ففاقد الشيء لا يعطيه ، وكان الأجدر أن يكون المبلغ من هو أجدر منه ، بدلا من الرسول حسب ما تنقله هذه الرواية أو الحديث الذي نحن بصدده ، وهذا الطرح المشبوه أسوأ بكثير مما طرحته الدنمارك في تصويرها ، لأن الدنمارك لا تعتقد بنبوة محمد والبخاري يعتقد بنبوته ورسالته ويشير بصحة هذه الخزعبلات.
أما النبي والرسول الذي نعتقد بنبوته وندين برسالته نحن أبناء مدرسة أهل البيت ، فهو أعلى من ذلك وأسمى بكثير ، فهو عندنا عالم ومعلم ، غني عن ما في أيدي الناس من كل شيء ، والناس محتاجون له في كل شيء ، لا يُصحح له ، ولا يُرفع الصوت في حضرته ، إذا هلل أو سبح جاوبته البحار والأنهار والجمادات ، إذا تكلم دخل صوته في قلوب الأعداء قبل الأحباب ، حكيم في كل ما يقوم به بدقة متناهية وكأنها محسوبة ، لا يفعل المكروه فضلا عن الحرام ، بل يقوم بكل مستحب على كماله ، إمام حق في كل ما يأتم به ، منصور ومؤيد ومسدد من السماء ، ليس بحاجة إلى مخلوق لتسديده أو تعليمه ، قال فيه قائد الإسلام الأول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إذا اشتد الوطيس لذنا بمحمد ، فهو القائد المغوار في الجيوش ، وليث الحروب ، قائد الدين والدنيا ، لا يخشى في الله لومة لائم ، وهو القائل في غطرسة قريش حيال الدين يظهره الله أو اهلك دونه ، فكيف يقوم بمثل هذا الدور المخجل المشار إليه.
رسولنا الذي نعتقد به إذا نزل جبرائيل بين يديه اهتزت فرائص جبرائيل بين يدي محمد ، وصار كالعبد الذليل بين سيده ، كيف لا وهو الحاكم على الأكوان والعوالم ، والممثل للسماء ، تهابه الأرض ومن عليها ، وتخشاه الجمادات بما فيها ، ويحييه كل ما يمر به من الجمادات قبل الحيوانات ، والطير صافات بين يديه ، وهو الذي كان قاب قوسين أو أدنى من عظمة الذات المقدسة ، هذا هو رسولنا وحبيبنا وشفيعنا ، وهذا غير الرسول المذكور في الحديث أعلاه ، المذكور في الحديث رسول غيرنا ونحن لا نعرفه ولا نريد معرفته.
وقد قال فيه الشاعر [3] :
ما تناهت عوالم العلم إلا وإلى ذات ( أحمد ) منتهاها
أي خلق الله أعظم منه وهو الغاية التي استقصاهـا
قلب الخافقين ظهرا لبطن فرأى ذات ( أحمد ) فاجتباها
من ترى مثله إذا شاء يوما محو مكتوبة القضاء محاها
رائد لا يزود إلا العوالي طاب من زهرة القنا مجتناها
وفقنا الله وإياكم للسير على هداهم والإقتداء بهم ونيل الشفاعة منهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، هذا والله ولي التوفيق....