العوامي : رمضان فرصة للإقلاع عن التدخين.. والمدمنون يعانون
أكدت استشارية الطب النفسي وعلاج الإدمان الدكتور فضيلة العوامي أن شهر رمضان هو شهر الصوم الذي يقودنا إلى السمو والارتقاء الروحي؛ فالله ليس في حاجة إلى عبادة تجعلنا نجوع ونعطش، وإنما هدف الصوم أجل وأسمى من ذلك بكثير، هو شهر تصفد فيه الشياطين ليواجه فيه ابن آدم شياطين نفسه ورغباته وشهواته ونفسه الأمّارة بالسوء، ولكي يظهر لنا جلياً دور الإرادة الحرة في اختيار الصح من الخطأ، ولكي لا يتهم الشيطان الرجيم بأنه سبب ضياعه وهلاكه، والشهوات والرغبات هي ما حثّ الإسلام على محاربتها في نهار رمضان وليله.
وقالت العوامي «من هنا يأتي دور الإيمان والإرادة في محاربة الإدمان والتعلق بكل ما هو ضار ومفسد للروح والجسد»، وأضافت: «ألم تسأل نفسك يوماً أيها المدخن لِمَ لا تستطيع طوال العام التوقف عن التدخين لسويعات بينما في رمضان يتسنى لك ذلك لساعات طويلة من النهار؟»، مشيرة إلى أن الرغبة في الصوم وطاعة الله وإرادة عدم التدخين في نهار رمضان هي ما هيأ ذلك.
واستطردت: «يعاني مدمنو القهوة والتدخين وكذلك مدمنو الكحول والمخدرات كالحشيش والكبتاغون والهيرويين ومسكنات الألم وأدوية النوم وغيرها من بقية أنواع المخدرات من عدم القدرة على الصوم بتاتاً، أو من الصعوبات التي تواجههم خلال نهار رمضان، وذلك بسبب الاشتياق للنيكوتين أو للمادة المخدرة وبسبب كيماوية المخ التي تعودت على مستوى معين من النيكوتين أو الكافيين أو من المادة المخدرة في الدماغ والدم، والتوقف عن التعاطي ساعات طويلة غير متعود عليها قد يؤدي إلى الاضطراب والعصبية، ما يؤدي إلى الإفطار في نهار رمضان أو إلى الصوم عن طريق النوم طوال اليوم، وهذا مخالف للهدف الحقيقي الذي أقر الله لأجله الصيام وفرضه على المسلمين، وهو مواجهة النفس والوقوف ضد الشهوات والرغبات»، منوهة إلى أنه من المؤسف إفطار بعضهم نهار رمضان بسبب عدم قدرته على ترك السجائر والقهوة، وبعضهم يقارع الخمر طوال شهر رمضان المبارك وكذلك مدمنو المخدرات.
وأفادت استشارية الطب النفسي وعلاج الإدمان بأنه بحسب تصنيف منظمة الصحة العالمية، فإن تعاطي المخدرات والإدمان عليها يعد مرضاً مزمناً، وذلك بسبب التغير الكيماوي الذي يصاحب التعاطي ويسبب فشل الإرادة وحدها في الإقلاع عن المخدرات، لذا يجب أن يكون علاج الإدمان من المخدرات بخاصة في شهر رمضان قائماً على محاور عدة، منها: تقوية الوازع الديني والروحي لدى المريض، وحثه على الصوم والقرب من الله، واستغلال فرصة الشهر الكريم للإقلاع عن التدخين والمخدرات، والقرب من الله تعالى عن طريق ممارسة الشعائر الدينية مثل قراءة القرآن الكريم والصلوات الخمس وصلاة التراويح والجماعة بصحبة أفراد أسرته، مع أهمية ملاحظة ألا نشجع المدمن على التحول من مدمن إلى متشدد ومتطرف في الدين للتعويض عما فاته، فالدين الوسطي هو الدين الحق، وتعزيز دافعية المريض لتغيير حياته وحثه على تقوية إرادته وزرع الثقة في نفسه بأنه قوي وقادر على الإقلاع عن المخدرات، وتشجيعه على اكتساب مهارات نفسية تعزز مناعته وتعينه في مواجهة الإدمان.
وأوضحت العوامي أن من طرق علاج الإدمان في شهر رمضان، المتابعة لدى طبيب نفسي أو مختص بعلاج الإدمان، لأن الإقلاع عن المخدرات ليس دائماً تجربة مريحة وسعيدة، بل على العكس قد تصاحب الإقلاع عن المخدرات مشكلات نفسية شديدة، منها إضرابات المزاج والعصبية والقلق واضطراب النوم، وقد يؤدي الإقلاع عن المخدرات من دون إشراف طبيب في بعض الحالات الشديدة إلى الكآبة الشديدة والانتحار بسبب ما أحدثته المخدرات في الدماغ من خلل وتلف، لذا فغالبية المدمنين في حاجة إلى نوعين من العلاج، ومن دونهما لا ينجح المدمن ولا يتعافى من الإدمان، فهما السلاح الذي يحارب به المدمن المخدرات، والعلاج عبارة عن علاج دوائي وعلاج معرفي سلوكي، به يكتسب المريض مهارات تعزز دافعيته وتكون له عوناً وتعزز مهاراته في مواجهة الإدمان والاشتياق ورفاق السوء والمخدرات، إضافة إلى الاستفادة من حلول شهر رمضان في تعزيز الروابط الاجتماعية والقرب من أفراد الأسرة، بحيث تجمع مائدة الإفطار المدمن بأفراد أسرته، كما تعزز صلوات الجماعة والتراويح علاقاته بمحيطه وجيرانه، ويحبذ أن يعمل المدمن بمساعدة أهله لنفسه جدولاً لزيارة الأهل والأصدقاء الذين هجرهم وتركهم بسبب تعاطيه المخدرات، وبهذا يكون برنامج الصوم للتعافي من المخدرات والسمو عن المعاصي ليس برنامج جوع، وإنما برنامج يعافي القلب والجسد من الدنس، ويعيد دمج المدمن مع أفراد أسرته ومجتمعه.